ولو كان قول التابعي باطلا لما ساغ للصحابة تجويزه والرجوع إليه. وفي هذه الحجة نظر، فإن لقائل أن يقول: إنما كان الاجتهاد مسوغا للتابعي عند اختلاف الصحابة، ولا يلزم من الاعتداد بقوله مع الاختلاف الاعتداد بقوله مع الاتفاق، وهو محل النزاع. ولهذا، فإن قول التابعي معتبر بعد انقراض عصر الصحابة، إذا لم يكن منهم اتفاق، وغير معتبر إذا كان على خلاف اتفاقهم.
والمعتمد في ذلك أن يقال: الأدلة الدالة على كون الاجماع حجة إنما هي الأخبار الدالة على عصمة الأمة عن الخطأ على ما سبق. وهذا الاسم لا يصدق عليهم مع خروج التابعين المجتهدين عنهم. فإنه لا يقال إجماع جميع الأمة، بل إجماع بعضهم فلا يكون حجة.
احتج الخصوم بالنص والمعقول والآثار:
أما النص فقوله عليه السلام: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ وقوله: اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر وقوله: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.
وأما المعقول، فهو أن الصحابة لهم مزية الصحبة وشهادة التنزيل وسماع التأويل، وأنهم مرضي عنهم على ما قال تعالى: * (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) * (48) الفتح: 18) وقد قال النبي في حقهم: لو أنفق غيرهم ملء الأرض ذهبا لما بلغ مد أحدهم. وذلك يدل على أن الحق معهم لا مع مخالفهم.
وأما الآثار، فمنها أن عليا عليه السلام نقض على شريح حكمه في ابني عم أحدهما أخ لام، لما جعل المال كله للأخ.
ومنها ما روي عن عائشة أنها أنكرت على أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف مجاراته للصحابة وكلامه فيما بينهم، وزجرته عن ذلك، وقالت: فروج يصيح مع الديكة.
والجواب: عن النصوص ما سبق في مسألة انعقاد إجماع غير الصحابة.