أما الفقه: ففي اللغة عبارة عن الفهم، ومنه قوله تعالى: * (ما نفقه كثيرا مما تقول) * (11) هود: 91):
أي لا نفهم، وقوله تعالى: * (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) * (17) الاسراء: 44): أي لا تفهمون، وتقول العرب: فقهت كلامك، أي فهمته.
وقيل: هو العلم، والأشبه أن الفهم مغاير للعلم، إذ الفهم عبارة عن جودة الذهن، من جهة تهيئه لاقتناص كل ما يرد عليه من المطالب، وإن لم يكن المتصف به عالما، كالعامي الفطن. وأما العلم فسيأتي تحقيقه عن قريب.
وعلى هذا فكل عالم فهم، وليس كل فهم عالما.
وفي عرف المتشرعين، الفقه مخصوص بالعلم الحاصل بجملة من الأحكام الشرعية الفروعية، بالنظر والاستدلال.
فالعلم احتراز عن الظن بالأحكام الشرعية، فإنه وإن تجوز بإطلاق اسم الفقه عليه، في العرف العامي، فليس فقها في العرف اللغوي والأصولي، بل الفقه العلم بها أو العلم بالعمل بها بناء على الادراك القطعي، وإن كانت ظنية في نفسها.
وقولنا: بجملة من الأحكام الشرعية احتراز عن العلم بالحكم الواحد، أو الاثنين لا غير، فإنه لا يسمى في عرفهم فقها.
وإنما لم نقل بالأحكام، لان ذلك يشعر بكون الفقه هو العلم بجملة الاحكام.
ويلزم منه أن لا يكون العلم بما دون ذلك فقها، وليس كذلك.
وقولنا: الشرعية احتراز عما ليس بشرعي، كالأمور العقلية، والحسية.
وقولنا: الفروعية احتراز عن العلم بكون أنواع الأدلة حججا، فإنه ليس فقها في العرف الأصولي، وإن كان المعلوم حكما شرعيا نظريا، لكونه غير فروعي.
وقولنا: بالنظر والاستدلال احتراز عن علم الله تعالى بذلك، وعلم جبريل والنبي عليه السلام فيما علمه بالوحي، فإن علمهم بذلك لا يكون فقها في