أن شيئا من هذه الأحكام لم ينسخ بالأحكام الواردة بعدها فإن من سمى ذلك نسخا فإنما سماه به مجازا لا حقيقة لأنه لما نسخ الأول وجب الثاني عقيبه وإن كان النسخ واقعا لغيره وأما كل حكمين لا يصح مجئ التعبد بهما في حال واحدة لشخص واحد فإن الثاني منهما يكون ناسخا للأول إذا ورد بعد استقرار حكمه وذلك نحو قوله تعالى فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض متى استقر هذا الحكم ثقال تعالى وأن احكم بينهم بما أنزل الله فأوجب ذلك نسخ التخيير المذكور فيه إذ لا يصح اجتماعهما في حال واحدة ألا ترى أنه لا يصح أن يقول قد خيرتك بين الحكم والإعراض ومع ذلك فاحكم بينهم من غير إعراض لأن اللفظ يتناقض به ويستحيل معناه ومن أجل ذلك منعنا أن يعترض بقوله عليه السلام لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب على قوله تعالى فاقرءوا ما تيسر من القرآن لأن الآية اقتضت التخيير في المفروض من القراءة وإذا حمل معنى التخيير على تعيين فرض القراءة بفاتحة الكتاب أوجب إسقاط التخيير الذي في الآية فيكون ناسخا له ولا يجوز نسخ القرآن بخبر الواحد ونحو قوله تعالى إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا فأوجب على العشرين مقاومة المائتين وعلى المائة مقاومة الألف وحظر عليهم الفرار منهم ثم قال الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين فصار الثاني ناسخا للأول لاستحالة اجتماعهما في حال واحدة فثبت نسخ الأول بالثاني ومن هذه الجهة قلنا إن الزيادة في النص يوجب نسخه إذا وردت بعد استقرار حكمه وكذلك النص إذا ورد منفردا عن ذكر
(٢٧٦)