في سعة هذه الدائرة فواضح، واما على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان، فلان العلم الاجمالي يستبطن انكشافا تفصيليا تاما للجامع بين التكليفين فيخرج هذا الجامع عن دائرة قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
واما الامر الثاني فقد ذكر المشهور ان الترخيص الشرعي في المخالفة القطعية للعلم الاجمالي غير معقول، لأنها معصية قبيحة بحكم العقل، فالترخيص فيها يناقض حكم العقل، ويكون ترخيصا في القبيح وهو محال. وهذا البيان غير متجه، لأننا عرفنا سابقا ان مرد حكم العقل بقبح المعصية ووجوب الامتثال إلى حكمه بحق الطاعة للمولى، وهذا حكم معلق على عدم ورود الترخيص الجاد من المولى في المخالفة، فإذا جاء الترخيص ارتفع موضوع الحكم العقلي فلا تكون المخالفة القطعية قبيحة عقلا. وعلى هذا فالبحث ينبغي ان ينصب على أنه: هل يعقل ورود الترخيص الجاد من قبل المولى على نحو يلائم مع ثبوت الأحكام الواقعية؟
والجواب انه معقول، لان الجامع وان كان معلوما، ولكن إذا افترضنا ان الملاكات الاقتضائية للإباحة كانت بدرجة من الأهمية تستدعي لضمان الحفاظ عليها الترخيص حتى في المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالاجمال، فمن المعقول ان يصدر من المولى هذا الترخيص، ويكون ترخيصا ظاهريا بروحه وجوهره، لأنه ليس حكما حقيقيا ناشئا من مبادئ في متعلقه، بل خطابا طريقيا من أجل ضمان الحفاظ على الملاكات الاقتضائية للإباحة الواقعية، وعلى هذا الأساس لا يحصل تناف بينه وبين التكليف المعلوم بالاجمال. إذ ليس له مبادئ خاصة به في مقابل مبادئ الأحكام الواقعية ليكون منافيا للتكليف المعلوم بالاجمال.
فان قيل ما الفرق بين العلم الاجمالي والعلم التفصيلي إذ تقدم ان الترخيص الطريقي في مخالفة التكليف المعلوم تفصيلا مستحيل، وليس العلم الاجمالي الا علما تفصيليا بالجامع؟