موردها، كأصالة الإباحة والبراءة ولا تنافي بين هذا الترخيص الظاهري والتكليف المحتمل أو المظنون، لما سبق من التوفيق بين الأحكام الظاهرية والواقعية، وليس الترخيص الظاهري هنا هزليا، بل المولى جاد فيه ضمانا لما هو الأهم من الأغراض والمبادئ الواقعية، واما التكليف المنكشف بالقطع فلا يمكن ورود المؤمن من المولى بالترخيص الجاد في مخالفته، لان هذا الترخيص اما حكم واقعي حقيقي، واما حكم ظاهري طريقي، وكلاهما مستحيل. والوجه في استحالة الأول انه يلزم اجتماع حكمين واقعيين حقيقيين متنافيين في حالة كون التكليف المقطوع ثابتا في الواقع، ويلزم اجتماعهما على اي حال في نظر القاطع، لأنه يرى مقطوعه ثابتا دائما فكيف يصدق بذلك، والوجه في استحالة الثاني ان الحكم الظاهري ما يؤخذ في موضوعه الشك ولا شك مع القطع فلا مجال لجعل الحكم الظاهري، وقد يناقش في هذه الاستحالة بان الحكم الظاهري كمصطلح متقوم بالشك لا يمكن ان يوجد في حالة القطع بالتكليف، ولكن لماذا لا يمكن ان نفترض ترخيصا يحمل روح الحكم الظاهري ولو لم يسم بهذا الاسم اصطلاحا، لأننا عرفنا سابقا ان روح الحكم الظاهري هي انه خطاب يجعل في موارد اختلاط المبادئ الواقعية، وعدم تمييز المكلف لها لضمان الحفاظ على ما هو أهم منها، فإذا افترضنا ان المولى لاحظ كثرة وقوع القاطعين بالتكاليف في الخطأ وعدم التمييز بين موارد التكليف وموارد الترخيص، وكانت ملاكات الإباحة الاقتضائية تستدعي الترخيص في مخالفة ما يقطع به من تكاليف ضمانا للحفاظ على تلك الملاكات، فلماذا لا يمكن صدور الترخيص حينئذ؟
والجواب على هذه المناقشة، ان هذا الترخيص لما كان من أجل رعاية الإباحة الواقعية في موارد خطأ القاطعين فكل قاطع يعتبر نفسه غير مقصود جدا بهذا الترخيص، لأنه يرى قطعه بالتكليف مصيبا، فهو بالنسبة إليه ترخيص غير جاد، وقد قلنا فيما سبق ان حق الطاعة والتنجيز متوقف على عدم الترخيص الجاد في المخالفة.