كان الجواب على ذلك أن العالم بالتكليف بالعلم التفصيلي لا يرى التزامه بعلمه مفوتا للملاكات الاقتضائية للإباحة لأنه قاطع بعدمها في مورد علمه، والترخيص الطريقي انما ينشأ من أجل الحفاظ على تلك الملاكات، وهذا يعني أنه يرى عدم توجه ذلك الترخيص إليه جدا، وهذا خلافا للقاطع في موارد العلم الاجمالي، فإنه يرى ان إلزامه بترك المخالفة القطعية قد يعني إلزامه بفعل المباح لكي لا تتحقق المخالفة القطعية. وعلى هذا الأساس يتقبل توجه ترخيص جاد إليه من قبل المولى في كلا الطرفين لضمان الحفاظ على الملاكات الاقتضائية للإباحة.
ويبقى بعد ذلك سؤال إثباتي وهو: هل ورد الترخيص في المخالفة القطعية للعلم الاجمالي؟ وهل يمكن إثبات ذلك باطلاق أدلة الأصول؟
والجواب هو النفي لان ذلك يعني افتراض أهمية الغرض الترخيصي من الغرض الالزامي حتى في حالة العلم بالالزام ووصوله إجمالا أو مساواته له على الأقل، وهو وإن كان افتراضا معقولا ثبوتا، ولكنه على خلاف الارتكاز العقلائي لان الغالب في الأغراض العقلائية عدم بلوغ الأغراض الترخيصية إلى تلك المرتبة، وهذا الارتكاز بنفسه يكون قرينة لبية متصلة على تقييد إطلاق أدلة الأصول، وبذلك نثبت حرمة المخالفة القطعية للعلم الاجمالي عقلا.
ويسمى الاعتقاد بمنجزية العلم الاجمالي لهذه المرحلة على نحو لا يمكن الردع عنها عقلا أو عقلائيا بالقول بعلية العلم الاجمالي لحرمة المخالفة القطعية، بينما يسمى الاعتقاد بمنجزيته لهذه المرحلة مع افتراض امكان الردع عنها عقلا وعقلائيا بالقول باقتضاء العلم الاجمالي للحرمة المذكورة.
واما المرحلة الثانية فيقع الكلام عنها في مباحث الأصول العملية ان شاء الله تعالى.