يذكرون من الاخبار حتى ما لا يستندون إليه في كثير من الأحيان.
ولنبدأ بالجواب على النقطة الثانية فنقول: إن الاجماع من أهل النظر والفتوى من فقهاء عصر الغيبة المتقدمين لا نريد به ان نكتشف رواية على النحو الذي فرضه المعترض لكي يبدو عدم ذكرها في كتب الحديث والفقه غريبا، وانما نكتشف به - في حالة عدم وجود مستند لفظي محدد للمجمعين - ارتكازا ووضوحا في الرؤية متلقى من الطبقات السابقة على أولئك الفقهاء والمتقدمين، لان تلقي هذا الارتكاز والوضوح هو الذي يفسر حينئذ اجماع فقهاء عصر الغيبة المتقدمين على الرغم من عدم وجود مستند لفظي مشخص بأيديهم، وهذا الارتكاز والوضوح لدي تلك الطبقات التي تشتمل على الرواة وحملة الحديث من معاصري الأئمة عليهم السلام يكشف عادة عن وجود مبررات كافية في مجموع السنة التي عاصروها من قول وفعل وتقرير أوحت إليهم بذلك الوضوح والارتكاز، وبهذا يزول الاستغراب المذكور، إذ لا يفترض تلقي المجمعين من فقهاء عصر الغيبة رواية محددة وعدم إشارتهم إليها، وانما تلقوا جوا عاما من الاقتناع والارتكاز الكاشف فمن الطبيعي أن لا تذكر رواية بعينها.
وعلى هذا الضوء يتضح الجواب على النقطة الأولى أيضا، لان المكتشف بالاجماع ليس رواية اعتيادية ليعترض باحتمال عدم تماميتها سندا أو دلالة، بل هذا الجو العام من الاقتناع والارتكاز الذي يكشف عن الدليل الشرعي وجوهر النكتة في المقام هو افتراض الوسيط بين اجماع اهل النظر والفتوى من فقهاء عصر الغيبة والدليل الشرعي المباشر من المعصوم، وهذا الوسيط هو الارتكاز لدى الطبقات السابقة من حملة الحديث وأمثالهم من معاصري الأئمة، وهذا الارتكاز هو الكاشف الحقيقي عن الدليل الشرعي، ولهذا فان أي بديل للاجماع المذكور في إثبات هذا الوسيط والكشف عنه يؤدي نفس دور الاجماع، فإذا أمكن ان نستكشف بقرائن مختلفة ان سيرة المتشرعة المعاصرين للائمة والمخالطين لهم واقتناعاتهم ومرتكزاتهم كانت منعقدة على الالتزام بحكم معين كفى ذلك في اثبات هذا