بل بالنسبة إلى الله تعالى لا معنى لفرض استحقاق المدح والذم اللسانيين عنده، بل ليست مجازاته بالخير إلا الثواب وليست مجازاته بالشر إلا العقاب.
وأما الشق الثاني من هذه الدعوى، فالجواب عنه: أنه لما كان المفروض أن المدح والذم من القضايا المشهورات التي تتطابق عليها آراء العقلاء كافة، فلابد أن يفرض فيه أن يكون صالحا لدعوة كل واحد من الناس. ومن هنا نقول: إنه مع هذا الفرض يستحيل توجيه دعوة مولوية من الله تعالى ثانيا، لاستحالة جعل الداعي مع فرض وجود ما يصلح للدعوة عند المكلف، إلا من باب التأكيد ولفت النظر. ولذا ذهبنا هناك إلى أن الأوامر الشرعية الواردة في موارد حكم العقل مثل وجوب الطاعة ونحوها يستحيل فيها أن تكون أوامر تأسيسية (أي مولوية) بل هي أوامر تأكيدية (أي إرشادية).
وأما أن هذا الإدراك لا يدعو إلا الأوحدي (1) من الناس فقد يكون صحيحا، ولكن لا يضر في مقصودنا، لأ أنه لا نقصد من كون حكم العقل داعيا أنه داع بالفعل لكل أحد، بل إنما نقصد - وهو النافع لنا - أنه صالح للدعوة.
وهذا شأن كل داع حتى الأوامر المولوية، فإنه لا يترقب منها إلا صلاحيتها للدعوة لا فعلية الدعوة، لأ أنه ليس قوام كون الأمر أمرا من قبل الشارع أو من قبل غيره فعلية دعوته لجميع المكلفين، بل الأمر في حقيقته ليس هو إلا جعل ما يصلح أن يكون داعيا، يعني ليس المجعول في الأمر فعلية الدعوة. وعليه، فلا يضر في كونه صالحا للدعوة عدم امتثال أكثر الناس.
* * *