1 - قيل: إن المرفوع في النسخ إما حكم ثابت أو ما لاثبات له، والثابت يستحيل رفعه، وما لاثبات له لا حاجة إلى رفعه. وعلى هذا فلابد أن يؤول النسخ بمعنى رفع مثل الحكم لا رفع عينه، أو بمعنى انتهاء أمد الحكم (1).
والجواب: أنا نختار الشق الأول، وهو أن المرفوع ما هو ثابت، ولكن ليس معنى رفع الثابت رفعه بما هو عليه من حالة الثبوت وحين فرض ثبوته حتى يكون ذلك مستحيلا، بل هو من باب إعدام الموجود [وكسر الصحيح] (2) وليس إعدام الموجود بمستحيل.
والأحكام لما كانت مجعولة على نحو القضايا الحقيقية، فإن قوام الحكم يكون بفرض الموضوع موجودا، ولا يتوقف على ثبوته خارجا تحقيقا، فإذا أنشئ الحكم كذلك فهو ثابت في عالم التشريع والاعتبار بثبوت الموضوع فرضا، ولا يرتفع إلا برفعه تشريعا. وهذا هو معنى رفع الحكم الثابت، وهو النسخ.
2 - وقيل: إن ما أثبته الله من الأحكام لابد أن يكون لمصلحة أو مفسدة في متعلق الحكم، وما له مصلحة في ذاته لا ينقلب فيكون ذا مفسدة - وكذلك العكس - وإلا لزم انقلاب الحسن قبيحا والقبيح حسنا، وهو محال (3). وحينئذ يستحيل النسخ، لأ أنه يلزم منه هذا الانقلاب المستحيل، أو عدم حكمة الناسخ أو جهله بوجه الحكمة. والأخيران مستحيلان بالنسبة إلى الشارع المقدس.