والجواب واضح، بعد معرفة ما ذكرناه في الجزء الثاني في المباحث العقلية من معاني الحسن والقبيح، فإن المستحيل انقلاب الحسن والقبيح الذاتيين. ولا معنى لقياسهما على المصالح والمفاسد التي تتبدل وتتغير بحسب اختلاف الأحوال والأزمان. ولا يبعد أن يكون الشئ ذا مصلحة في زمان ذا مفسدة في زمان آخر، وإن كان لا يعلم ذلك إلا من قبل الشارع العالم المحيط بحقائق الأشياء. وهذا غير معنى الحسن والقبح اللذين نقول فيها: إنه يستحيل فيهما الانقلاب.
مضافا إلى أن الأشياء تختلف فيها وجوه الحسن والقبح باختلاف الأحوال مما لم يكن الحسن والقبح فيه ذاتيين، كما تقدم هناك.
وإذا كان الأمر كذلك فمن الجائز أن (1) الحكم المنسوخ كان ذا مصلحة ثم زالت في الزمان الثاني فنسخ، أو كان ينطبق عليه عنوان حسن ثم زال عنه العنوان في الزمان الثاني فنسخ. فهذه هي الحكمة في النسخ.
3 - وقيل: إذا كان النسخ - كما قلتم - لأجل انتهاء أمد المصلحة، فينتهي أمد الحكم بانتهائها، فإنه - والحال هذه - إما أن يكون الشارع الناسخ قد علم بانتهاء أمد المصلحة من أول الأمر، وإما أن يكون جاهلا به.
لا مجال للثاني، لأن ذلك مستحيل في حقه تعالى، وهو البداء الباطل المستحيل، فيتعين الأول. وعليه، فيكون الحكم في الواقع موقتا وإن أنشأه الناسخ مطلقا في الظاهر، ويكون الدليل على النسخ في الحقيقة مبينا وكاشفا عن مراد الناسخ.
وهذا هو معنى التخصيص، غاية الأمر يكون تخصيصا بحسب الأوقات