لا الأحوال، فلا يكون فرق بين النسخ والتخصيص إلا بالتسمية (1).
والجواب: نحن نسلم أن الحكم المنسوخ ينتهي أمده في الواقع والله عالم بانتهائه، ولكن ليس معنى ذلك أنه موقت - أي مقيد إنشاء بالوقت - بل هو قد أنشئ على طبق المصلحة مطلقا على نحو القضايا الحقيقية، فهو ثابت ما دامت المصلحة كسائر الأحكام المنشأة على طبق مصالحها، فلو قدر للمصلحة أن تستمر لبقي الحكم مستمرا، غير أن الشارع لما علم بانتهاء أمد المصلحة رفع الحكم ونسخه.
وهذا نظير أن يخلق الله الشئ ثم يرفعه بإعدامه، وليس معنى ذلك أن يخلقه موقتا على وجه يكون التوقيت قيدا للخلق والمخلوق بما هو مخلوق وإن علم به من الأول أن أمده ينتهي.
ومن هنا يظهر الفرق جليا بين النسخ والتخصيص، فإنه في التخصيص يكون الحكم من أول الأمر أنشئ مقيدا ومخصصا، ولكن اللفظ كان عاما بحسب الظاهر، فيأتي الدليل المخصص فيكون كاشفا عن المراد، لا أنه مزيل ورافع لما هو ثابت في الواقع. وأما في النسخ فإنه لما أنشئ الحكم مطلقا فمقتضاه أن يدوم لو لم يرفعه النسخ، فالنسخ يكون محوا لما هو ثابت * (يمحو الله ما يشاء ويثبت...) * (2) لا أن الدوام والاستمرار مدلول لظاهر الدليل بحسب إطلاقه وعمومه والمنشأ في الواقع الحكم الموقت ثم يأتي الدليل الناسخ فيكشف عن المراد من الدليل الأول ويفسره، بل الدوام من اقتضاء نفس ثبوت الحكم من دون أن يكون لفظ دليل الحكم دالا عليه بعموم أو إطلاق.