وفي هذه الآية الأخيرة بالخصوص قد جعل ما أذن به أمرا مقابلا للافتراء عليه، فما لم يأذن به لابد أن يكون افتراء بحكم المقابلة بينهما، فلو نسبنا الحكم إلى الله تعالى من دون إذن منه فلا محالة يكون افتراء محرما مذموما بمقتضى الآية. ولا شك في أن العمل بالظن والالتزام به على أنه من الله ومثبت لأحكامه يكون من نوع نسبة الحكم إليه من دون إذن منه، فيدخل في قسم الافتراء المحرم.
وعلى هذا التقرير، فالقاعدة تقتضي أن الظن - بما هو ظن - لا يجوز العمل على مقتضاه ولا الأخذ به لإثبات أحكام الله مهما كان سببه، لأ أنه لا يغني من الحق شيئا، فيكون خرصا باطلا وافتراء محرما.
هذا مقتضى القاعدة الأولية في الظن بمقتضى هذه الآيات الكريمة.
ولكن لو ثبت بدليل قطعي وحجة يقينية أن الشارع قد جعل ظنا خاصا من سبب مخصوص طريقا لأحكامه واعتبره حجة عليها وارتضاه أمارة يرجع إليها وجوز لنا الأخذ بذلك السبب المحقق للظن، فإن هذا الظن يخرج عن مقتضى تلك القاعدة الأولية، إذ لا يكون خرصا وتخمينا ولا افتراء.
وخروجه من القاعدة يكون تخصيصا بالنسبة إلى آية النهي عن اتباع الظن، ويكون تخصصا بالنسبة إلى آية الافتراء، لأنه يكون حينئذ من قسم ما أذن الله تعالى به، وما أذن به ليس افتراء.
وفي الحقيقة إن الأخذ بالظن المعتبر الذي ثبت على سبيل القطع بأنه (1) حجة لا يكون أخذا بالظن بما هو ظن وإن كان اعتباره عند الشارع من جهة كونه ظنا، بل يكون أخذا بالقطع واليقين، ذلك القطع