إنما هو إجماع الأمة كلها أو جميع المؤمنين بدون استثناء، فمتى ما شذ واحد منهم - أي كان - فلا يتحقق الإجماع الذي قام الدليل على حجيته، فإنه مع وجود المخالف وإن كان واحدا لا يحصل القطع بحجية إجماع من عداه مهما كان شأنهم، لأن العصمة على تقدير ثبوتها بالأدلة المتقدمة إنما ثبتت لجميع الأمة لا لبعضها.
ولكن ما توقعوه من ذهابهم إلى حجية الإجماع - وهو إثبات شرعية بيعة أبي بكر - لم يحصل لهم، لأ أنه قد ثبت من طريق التواتر مخالفة علي (عليه السلام) وجماعة كبيرة من بني هاشم وباقي المسلمين، ولئن التجأ أكثرهم بعد ذلك إلى البيعة، فإنه بقي منهم من لم يبايع حتى مات مثل " سعد بن عبادة " قتيل الجن! (1).
ولأجل هذه المفارقة بين أدلة الإجماع وواقعه الذي أرادوا تصحيحه كثرت الأقوال في هذا الباب لتوجيهها: فقال مالك - على ما نسب إليه -:
إن الحجة هو إجماع أهل المدينة فقط (2). وقال قوم: الحجة إجماع أهل الحرمين (مكة والمدينة) والمصرين (الكوفة والبصرة) (3). وقال قوم:
المعتبر إجماع أهل الحل والعقد (4). وقال بعض: المعتبر إجماع الفقهاء الأصوليين خاصة (5). وقال بعض: الإعتبار بإجماع أكثر المسلمين