لاقيمة علمية له في استكشاف حكم الله، لأ أنه لا ملازمة بينه وبين حكم الله، فالعلم به لا يستلزم العلم بحكم الله بأي وجه من وجوه الملازمة.
نعم، الشئ الذي يجب ألا يفوتنا التنبيه عليه في الباب أنا قد قلنا فيما سبق - في الجزء الثاني، وسيأتي - إن تطابق آراء العقلاء بما هم عقلاء في القضايا المشهورة العملية التي نسميها " الآراء المحمودة " والتي تتعلق بحفظ النظام والنوع يستكشف به الحكم الشرعي، لأن الشارع من العقلاء - بل رئيسهم وهو خالق العقل - فلابد أن يحكم بحكمهم.
ولكن هذا التطابق ليس من نوع الإجماع المقصود، بل هو نفس الدليل العقلي الذي نقول بحجيته في مقابل الكتاب والسنة والإجماع.
وهو من باب التحسين والتقبيح العقليين الذي ينكره هؤلاء الذاهبون إلى حجية الإجماع.
أما إجماع الناس - الذي لا يدخل في تطابق آراء العقلاء بما هم عقلاء - فلا سبيل إلى اتخاذه دليلا على الحكم الشرعي، لأن اتفاقهم قد يكون بدافع العادة أو العقيدة أو الانفعال النفسي أو الشبهة أو نحو ذلك.
وكل هذه الدوافع من خصائص البشر لا يشاركهم الشارع فيها لتنزهه عنها، فإذا حكموا بشئ بأحد هذه الدوافع لا يجب أن يحكم الشارع بحكمهم، فلا يستكشف من اتفاقهم على حكم بما هو اتفاق أن هذا الحكم واقعا هو حكم الشارع.
ولو أن إجماع الناس بما هو إجماع - كيف ما كان وبأي دافع كان - هو حجة ودليل، لوجب أن يكون إجماع الأمم الأخرى غير المسلمة أيضا حجة ودليلا. ولا يقول بذلك واحد ممن يرى حجية الإجماع.
إذا! كيف اتخذ الأصوليون إجماع المسلمين بالخصوص حجة؟