فأنى لنا أن نحصل على إجماع جميع الأمة بجميع طوائفها وأشخاصها في جميع العصور! إلا في ضروريات الدين، مثل وجوب الصلاة والزكاة ونحوهما. وهذه ضروريات الدين ليست من نوع الإجماع المبحوث عنه، ولا تحتاج في إثبات الحكم بها إلى القول بحجية الإجماع.
وأما مسلك العقل: الذي عبر عنه بعضهم بالطريق المعنوي، فغاية ما يقال في توجيهه: إن الصحابة إذا قضوا بقضية وزعموا أنهم قاطعون بها فلا يقطعون بها إلا عن مستند قاطع، وإذا كثروا كثرة تنتهي إلى حد التواتر فالعادة تحيل عليهم قصد الكذب وتحيل عليهم الغلط، فقطعهم في غير محل القطع محال في العادة. والتابعون وتابعو التابعين إذا قطعوا بما قطع به الصحابة فيستحيل في العادة أن يشذ عن جميعهم الحق مع كثرتهم.
ومثل هذا الدليل يصح أن يناقش فيه:
بأن إجماعهم هذا إن كان يعلم بسببه قول المعصوم فلاشك في أن هذا علم قطعي بالحكم الواقعي، فيكون حجة لأ أنه قطع بالنسبة، ولا كلام لأحد فيه، لأن هذا الإجماع يكون من طرق إثبات السنة.
وأما إذا لم يعلم بسببه قول المعصوم - كما هو المقصود من فرض الإجماع حجة مستقلة ودليلا في مقابل الكتاب والسنة - فإن قطع المجمعين مهما كانوا لئن كان يستحيل في العادة قصدهم الكذب في ادعاء القطع - كما في الخبر المتواتر - فإنه لا يستحيل في حقهم الغفلة أو الاشتباه أو الغلط، كما لا يستحيل أن يكون إجماعهم بدافع العادة أو العقيدة أو أي دافع من الدوافع الأخرى التي أشرنا إليها سابقا.
ولأجل ذلك اشترطنا في التواتر الموجب للعلم ألا يتطرق إليه احتمال خطأ المخبرين في فهم الحادثة واشتباههم، كما شرحناه في كتاب المنطق