وما الدليل لهم على ذلك؟ وللجواب عن هذا السؤال علينا أن نرجع القهقرى إلى أول إجماع اتخذ دليلا في تأريخ المسلمين، إنه الإجماع المدعى على بيعة أبي بكر خليفة للمسلمين. فإنه إذ وقعت البيعة له - والمفروض أنه لا سند لها من طريق النص القرآني والسنة النبوية - اضطروا إلى تصحيح شرعيتها من طريق الإجماع فقالوا:
أولا: إن المسلمين من أهل المدينة أو أهل الحل والعقد منهم أجمعوا على بيعته.
وثانيا: إن الإمامة من الفروع، لا من الأصول.
وثالثا: إن الإجماع حجة في مقابل الكتاب والسنة، أي أنه دليل ثالث غير الكتاب والسنة.
ثم منه توسعوا فاعتبروه دليلا في جميع المسائل الشرعية الفرعية.
وسلكوا لإثبات حجيته ثلاثة مسالك: الكتاب والسنة والعقل. ومن الطبيعي ألا يجعلوا الإجماع من مسالكه، لأ أنه يؤدي إلى إثبات الشئ بنفسه، وهو دور باطل.
أما مسلك الكتاب: فآيات استدلوا بها، لا تنهض دليلا على مقصودهم، وأولاها بالذكر آية " سبيل المؤمنين " وهي قوله تعالى (سورة النساء 114): * (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) * فإنها توجب اتباع سبيل المؤمنين، فإذا أجمع المؤمنون على حكم فهو سبيلهم فيجب اتباعه. وبهذه الآية تمسك الشافعي، على ما نقل عنه (1).
ويكفينا في رد الاستدلال بها ما استظهره الشيخ الغزالي منها، إذ قال: