لأرباب الأنظار وإن قابله بعضهم بالإنكار.
فأقول: إن هنا أمرين: غصب وتصرف فيه، أما الغصب فهو سلب سلطنة المالك ونحوه، وجعلها لنفسه أو مشاركته فيها، وهذا هو الذي دل العقل والنقل على حرمته، وجرى عنوان البحث في كتب الفقه عليه، كقولهم: «الغصب هو الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا وظلما» وعليه بنوا عدة فروع كالحكم بضمان العقار بمجرد الاستقلال به.
وهذا كما ترى من مقولة الملك، جدة كانت أو إضافة وهو غير التصرف لأنه من مقولة الفعل، فالتصرف في الغصب ليس عين الغصب، بل هو أمر متأخر عنه طبعا من مقولة أخرى، ولا ملازمة بينهما، إذ كثيرا ما يتحقق الغصب بدون التصرف فيه.
فلو كتب ظالم إلى قيم أموره في بلد آخر، بأن يمنع زيدا عن التصرف في داره بقصد الاستيلاء عليها، فهو غاصب من حين المنع وإن لم يتفق له التصرف فيها أو تأخر عنه سنة كاملة.
أو أجبر صاحب فرس على أن يربط فرسه في إصطبله فهو غاصب عاص ما دام سلطانه عليه وإن لم يركبه قط، إلى غير ذلك من النظائر.
وعليه، فإذا ثبت حرمة تصرف الغاصب في المغصوب، فلا بد أن تكون بدليل غير دليل حرمة الغصب، لما عرفت من أن الغصب أمر، والتصرف أمر آخر، وهما من مقولتين متباينتين، فالغاصب الثاوي في المغصوب عليه إثمان:
إثم الغصب وإثم التصرف فيه، بخلاف الغاصب غير المتصرف، فإن عليه إثم واحد فقط.
ولا يبعد القول به، بل الظاهر أنه لا بد منه، لما تراه من مسلميته عند الأصحاب، والظاهر دلالة عدة من الظواهر عليه، ولكن مبنى المثالين على حرمة أمر ثالث زيادة على الأمرين، وهي حرمة جميع التقلبات من الحركات