وبالجملة هذه العناوين متحدة مع الإرادة حقيقة، ولكنها مختلفة معها بحسب المتعلق، ولهذا ورد: إن الراضي بفعل قوم منهم (1). لأنه شريك مع الفاعل في الشقاوة والسعادة، وحسن الفطرة وقبحها، وحقيقة الإرادة التي هي العلة التامة للفعل، وعليها يقع المدح والذم، والثواب والعقاب، ولا يختلف معها إلا في ترتب الفعل على الإرادة، وعدم ترتبه على الرضا الموجبين للحسن والقبح الفعليين لا الفاعليين.
هذا وبعض مشايخنا لا يسميها الإرادة إلا بعد الإشراف على الفعل، والاشتغال به ولو بإتيان بعض مقدماته، وأما بدون ذلك فتارة لا يسميها إرادة أصلا، وتارة يسميها إرادة شأنية، وهذا على أنه مما لا أرى داعيا إليه، يلزمه حصول أول المقدمات للفعل من غير إرادة مع أنه اختياري قطعا، وليس الفاصل بين الاختياري والاضطراري إلا الإرادة، وسيأتي تمام الكلام فيه في خلال المباحث الآتية.
ويظهر من عدة مواضع من كلامه اشتراط ترتب الفعل عليها أيضا، وأن عنوان الإرادة يحدث من قبل تحقق الفعل، وهذا أيضا مما لا يساعده الاعتبار والاصطلاح، فمن مشهور الكلام - إن لم يكن من مأثوره - أردت أمرا وأراد الله أمرا. وقال الخارجي القاتل لخارجة: أردت عمرا وأراد الله خارجة. فتأمل جيدا، والله العالم.
واعلم أنه تنقسم الإرادة إلى أقسام، أهمها إلى التكوينية والتشريعية، والمراد من الأولى ما لا يتوقف الصلاح في متعلقها إلى توسط إرادة الغير، كما إذا علم الصلاح في مباشرة ضرب زيد بنفسه، والثانية ما توقف على توسطها، كما إذا رئي الصلاح في ضرب زيد عمرا اختيارا.