شربت الماء فقال: شربت السماء، صح لك من باب التهكم والمزاح والتعريض ونحوها أن تقول مثل قوله، مع أنه لا مناسبة بين الماء والسماء أصلا، ولم يحسنه إلا عدم إحسان الذي قاله قبلك.
وفذلكة المقام: أن العلائق ليست بأمور قابلة للحصر، بل هي تختلف باختلاف المقامات والخصوصيات، بل باختلاف اللغات والعادات اختلافا بينا، فمن حاول عدها فقد كلف نفسه شططا.
وبهذا يتفاخر الفصحاء، وتعرف منازل الشعراء، ومنه تظهر قوة جنان الشاعر، وطول باعه، وقدرته على الصنعة، فاستعارة الغيث للسيف لا يقدم عليه إلا مثل المتنبي حيث يقول:
........................ وأترك الغيث في غمدي وأنتجع (1) وأما علائم الحقيقة والمجاز، وأصالة الحقيقة فلا شك أن المعنى الموضوع له يتبادر إلى ذهن السامع إذا كان عارفا بالوضع ملتفتا إليه، ولا طريق إلى معرفة الوضع إلا بتنصيص الواضع أو أتباعه، أو معرفة ذلك من تتبع موارد الاستعمال.
ثم إن الأصل مطابقة الإرادة الجدية للاستعمالية لأن الألفاظ إنما وضعت لبيان المقاصد العقلائية الواقعية بلفظ مطابق لمعناه وإنما يعدل عنها لدواع أخر لا يصار إليها إلا بقرينة معاندة معها لأن في عدم نصبها إخلالا بالغرض من الوضع فلا بد لمن لم تكن له إرادة جدية كالمازح والهازل، أو كانت ولم تكن مطابقة للاستعمال كالمكني أو المستعير والمبالغ من نصب القرينة، وإلا كان ناقضا لغرضه.
اللهم إلا أن يكون غرضه تغرير السامع وإفهامه خلاف الواقع أعني الكذب فمع القطع بعدم الاعتماد على القرينة يقطع بالمراد الواقعي، ومع الشك يبنى على عدمها كما في نظائرها.