مضمون الكلام بنفسه قرينة معينة للمراد، كما في قوله تعالى: ﴿وفجرنا الأرض عيونا﴾ (١).
ورابعا: بمنع كونه بلا طائل، كيف وتعيين حقيقة المراد من أعظم الفوائد.
وقد يتضمن غير ذلك من الخواص والفوائد، كما في قوله تعالى: (عينا يشرب بها عباد الله) (٢) لقضائه بكون الشاربين هم المخصوصون.
وخامسا: بمنع عدم انفهام شيء عند ترك القرينة أصلا، ليكون الإطلاق عبثا لوضوح حصول انفهام المراد على وجه الإجمال والترديد، فيترتب عليه فوائده وخواصه التي كثيرا ما يتعلق غرض الحكيم بترتبها، كالتوصل إلى حقيقة المراد بالنظر والاجتهاد، أو التهيؤ للامتثال وتوطين النفس للإطاعة إلى [أن] تأتي مقام الحاجة المستدعية لورود البيان على التفصيل، ليترتب على كل فوائده المطلوبة منه.
هذا كله مضافا إلى ما يرد على هذا الوجه وسابقه معا من أن في وقوع الاشتراك في اللغة - على ما سنذكره - حجة واضحة على بطلان القول بالامتناع، وفساد وضع حجتيه، ضرورة أنه لو امتنع لم يقع، واللازم باطل والملازمة بينة.
ثم القائلون بإمكان الاشتراك عقلا اختلفوا في وقوعه مطلقا في اللغة وعدمه، وعلى القول بالوقوع اختلف أيضا في وقوعه في القرآن وعدمه.
والحق وقوعه مطلقا ومقيدا، ولما كان إثبات المقيد كافيا في ثبوت فلنكتف بالاستدلال على الوقوع المقيد، فنقول:
لنا: على ذلك لفظ " القرء " في قوله تعالى: ﴿يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء﴾ (٣) و " عسعس " في قوله تعالى: ﴿والليل إذا عسعس﴾ (4) لاشتراك الأول بين الطهر والحيض، والثاني بين أقبل وأدبر كما صرح به أئمة اللغة، وأطبق عليه محققوا أهل النظر، بل هو معلوم بالتسامع والتظافر بين أرباب الصناعات بجميع أصنافهم