أما الأول: فظاهر، وأما الثاني: فلأن المجاز هو استعمال اللفظ الموضوع في غير ما وضع له، للمناسبة بينه وبين الموضوع له.
وهذا الاستعمال إنما هو استعمال اللفظ الغير الموضوع فيما وضع له لفظ آخر للمناسبة بين المستعمل والموضوع وهو عكس المجاز، فإن الخروج عن الظاهر في المجاز من جهة المعنى، وفي هذا الاستعمال من جهة اللفظ، والعلاقة المعتبرة في المجاز بين المعنيين الموضوع له والمستعمل فيه، وفي هذا الاستعمال بين اللفظين المستعمل والموضوع، والواسطة بين الحقيقة والمجاز في الاستعمال الصحيح ليست معهودة في استعمالات العرب ولا منصوصة في كلام أئمة الأدب، كيف وقد صرحوا بأن الاستعمال الصحيح منحصر في الحقيقة والمجاز (1) انتهى.
وتحقيق المقام: إن النظر إن كان إلى الوقوع الخارجي فلم ينهض ما يقضي بأحد الوجهين، وإن كان إلى الإمكان وتجويز العقل فكل منهما جائز، ولا مانع عنه عدا ما عرفت من التعليل وهو غير صالح للمنع، لتطرق المنع إلى الملازمة المذكورة بناء على وجود الكلي الطبيعي - كما حققناه - ومعناه: وجود الماهية بتمامها في ضمن كل فرد، على معنى تشخصها بلوازم الفرد، ومن حكم وجودها أن يوجد معها جميع لوازمها لئلا يلزم الانفكاك بينهما، فالنوع على تقدير تعلق الوضع به في الواقع حيثما يوجد في ضمن شخص منه فإنما يوجد موضوعا، لدخوله بالقياس إليه في عداد اللوازم ولو من جهة جعل الجاعل واعتبار المعتبر.
والأصل في ذلك: إن الوضع هنا يراد به ما هو صفة اللفظ أعني اختصاص اللفظ بالمعنى، وهو وإن كان وصفا اعتباريا إلا أنه بالقياس إلى الموضوع - وهو نوع الهيئة - من قبيل لازم الماهية في الوجود الخارجي، ومعناه: إنه يوجد حيثما وجدت الماهية في الخارج.
وبعبارة أخرى: أن الاختصاص يوجد مع كل حصة من حصص الماهية