وأما الفرق بينهما في الرجوع إلى الأصلين: فلما حقق في محله وسيأتي تفصيله من أن الشك المأخوذ في موضوع الأصلين إذا تعلق بالمكلف به بعد العلم بأصل التكليف لا يوجب الرجوع إلى أصل البراءة، ما لم يكن آئلا إلى الشك في التكليف، ولو دار الأمر بين الأقل والأكثر، كما هو الحال في ماهيات العبادات إذا شك في جزئية شيء لها.
وضابط أوله حينئذ إلى الشك في التكليف وعدمه، هو أنه إن تعلق التكليف بعنوان معين في الواقع مردد في نظر المكلف بين كونه حاصلا في ضمن الأقل وبين عدم حصوله إلا في ضمن الأكثر، فالشك فيه مما لا يؤول إلى التكليف بالزائد، ومعه لا يعقل الرجوع إلى أصل البراءة، بل المتعين فيه الرجوع إلى أصل الاشتغال المقتضي لمراعاة الأكثر تحصيلا للبراءة اليقينية.
وإن لم يتعلق بنحو هذا العنوان، بل تعلق بالأقل يقينا مع احتمال تعلقه معه بالزائد عليه.
وبعبارة أخرى: تعلق بالأمر الدائر بين كونه نفس الأقل أو هو مع ما احتمل دخله في المكلف به، ولازمه دوران وجوب الأقل بين النفسي والمقدمي.
فالشك فيه آئل إلى أصل التكليف بالنسبة إلى القدر الزائد، وهذا معنى ما يقال: من رجوع اليقين بالاشتغال مع الشك في المكلف به إلى العلم بالمكلف به في الجملة مع الشك البدوي، ومعه يجوز الرجوع إلى أصل البراءة المقتضي للاقتصار في الخروج عن عهدة التكليف على القدر المتيقن وهو الأقل، إذ اليقين بالاشتغال لم يحصل إلا بحسبه.
ولا ريب أن دوران الأمر بين الأقل والأكثر عند الشك في جزئية السورة على القول بالصحيحة من باب القسم الأول، إذ التكليف إنما يتعلق بمسمى اللفظ المأخوذ فيه الهيئة الاجتماعية الخاصة، وهو عنوان واقعي تعلق التكليف به مردد بين حصوله في ضمن الأقل وعدم حصوله إلا في ضمن الأكثر.
وإن شئت قلت: إنه كدوران المكلف به بين المتبائنين، إذ لا يدرى أن المكلف