الندرة بمثابة استحاله بعضهم، فقال: إنه غير ممكن، وإن أريد به ما دون ذلك فهو لا يزاحم الأصل بمعنى ظهور الحقيقة، لأن غلبة الاستعمال المجازي لقرينة لا ينافي ظهور الحقيقة مع التجرد، وهذا هو محل الكلام.
ويدل عليه أيضا أن المعنى الحقيقي هو الظاهر من اللفظ عند إطلاقه فتعين إرادته في كلام الحكيم، لأن إرادة غير الظاهر من دون نصب قرينة توجب حصول الغرض والإفهام المقصود من الكلام تستلزم الإغراء بالجهل، مضافا إلى قضائه في بعض الأحيان بلزوم تكليف ما لا يطاق، وانتفاء الفائدة في إرسال الرسل وإنزال الكتب، فإن الفائدة العظمى فيهما حصول النظام بتبليغ الأحكام الموقوف على المخاطبة والإفهام.
وربما يمكن المناقشة فيه: بكونه أخص من موضوع المسألة، بملاحظة ما قدمناه من عدم قضاء العقل في صورة الشك في القرينة بالإغراء بالجهل لولا إرادة الحقيقة.
إلا أن يدفع: بأن احتمال إرادة المجاز في هذه الصورة إنما هو من جهة احتمال اعتماد المتكلم على قرينة خفية غفل عنها السامع، ويبعد من المتكلم المريد للإفهام أن يعتمد على نحو القرينة المفروضة، كما يبعد منه إرادة المجاز من دون نصب قرينة.
وبالجملة: نصب قرينة يغفل عنها السامع كعدم نصب القرينة أصلا في بعده عن غرض المتكلم المريد للإفهام، وقضية البعد في المقامين ظهور إرادة الحقيقة فيهما ولو بحسب النوع، وحينئذ يلزم من إرادة غير هذا الظاهر ما ذكر من الإغراء بالجهل.
ويرد عليه: عدم كون غفلة السامع مقصورة على خفاء القرينة، بل قد تحصل مع القرينة الجلية أيضا، فلا يلزم الإغراء كما نبهنا عليه في تضاعيف الجهة الأولى، فالمناقشة المذكورة واردة في الجملة.
وأما ما عساه يناقش في أصل الملازمة، من أن محذور الإغراء بالجهل إنما