ورجحان إرادة المعنى الحقيقي المتصور بأحد الوجوه المذكورة، قد يعتبر بحسب الفعل على معنى كون اللفظ الصادر من المتكلم المجرد عن القرينة - ولو بحكم الأصل - بحيث حصل منه الظن الفعلي بإرادة المعنى الحقيقي، ويعبر عنه " بالظن الشخصي " لحصول الظن الفعلي في شخص الاستعمال اللاحق باللفظ.
وقد يعتبر بحسب الشأن والصلاحية، على معنى كون اللفظ المذكور بحيث لو خلي وطبعه حصل منه الظن بإرادة المعنى الحقيقي، وإن اتفق في بعض الأحيان أ نه لم يحصل منه ظن فعلا لفقد شرط، كالالتفات إلى بعد احتمال إرادة المجاز من غير نصب قرينة أو بعد احتمال الاعتماد على قرينة خفية مغفول عنها، أو وجود مانع كالأسباب الغير المعتبرة الموجبة للشك أو الظن الغير المعتبر بإرادة المجاز من النوم أو الرمل أو الجفر، أو خبر صبي أو قياس أو غير ذلك، ويعبر عنه " بالظن النوعي " لحصول الظن في نوع الاستعمالات الدائرة على اللفظ لا في كل شخص منها.
وهل المعتبر في حجية أصالة الحقيقة هو الظن الشخصي، على معنى كونها حجة من باب الظن الشخصي، أو هو الظن النوعي، على معنى كون حجيتها من باب الظن النوعي، وعلى الثاني فهل المراد من نوعية الظن النوعي إن حصول الظن الفعلي بإرادة الحقيقة ليس شرطا في العمل بها، وإن أضر بها الشك أو الظن الغير المعتبر بإرادة المجاز، ومرجعه إلى مانعية الشك والظن المذكورين، أو إن المراد بها ما يتضمن عدم شرطية الظن الفعلي مع عدم مانعية الشك، وإن أضر بها الظن بإرادة المجاز وإن لم يكن معتبرا، أو أن المراد بها ما يتضمن عدم شرطية الظن الفعلي وعدم مانعية الشك والظن الغير المعتبر وجوه، وإن كان المعنى المعهود عندهم الواقع في كلامهم من الظن النوعي، هو المعنى الأخير.
وكيف كان: فحجية أصالة الحقيقة تتصور على وجوه أربع، وقد وقع الخلاف في معنى حجيتها.
فعن بعض المتأخرين: أنها حجة إذا حصل الظن الفعلي بإرادة المعنى الحقيقي لا غير، سواء حصل بخلافها ظن أو لا.