وفيه: مع بعده في نفسه لا يلائمه البحث عن الحجية كما لا يخفى، هذا مع فساد هذا الاحتمال من غير هذه الجهة.
أما أولا: فلأن أصالة الحقيقة كثيرا ما تجري فيما لا يجري فيه الاستصحاب المذكور، وهو ما لو علم تجرد اللفظ عن القرينة، أو عدم الالتفات إلى القرينة الموجودة، بل هذه الصورة أظهر مجاري هذا الأصل على ما ستعرف.
وأما ثانيا: فلما عرفت سابقا من عدم كون مبنى العمل بالأصل في الأصول العدمية المعمولة في باب الألفاظ، على العمل بالاستصحاب، لعدم ابتنائه على مراعاة الحالة السابقة والتعويل عليها، كما هو واضح.
ثم إن الظهور في معنى أصالة الحقيقة إنما يحرز بإحراز ظهورات عديدة، كظهور كون المتكلم قاصدا للفظ قبالا لاحتمال كونه ساهيا أو غير شاعر، وظهور كونه قاصدا للمعنى قبالا لاحتمال كونه هازلا أو لاغيا، وظهور كونه قاصدا لإفهام المعنى المقصود قبالا لاحتمال كون غرضه التعمية والإبهام، وظهور كون المعنى المقصود الذي قصد إفهامه هو المعنى الحقيقي قبالا لاحتمال كونه المعنى المجازي، والظهورات الثلاث الأول محرزة ببعد احتمال خلافها عن حالة التخاطب، ولذا أطبق العقلاء في جميع المخاطبات في قاطبة الأعصار وكافة الأمصار على حمل كلام كل متكلم على كونه مقصودا به اللفظ والمعنى والإفهام، والظهور الرابع يحرز بفرض تجرد اللفظ عن القرينة ولو بحكم الأصل.
ثم المتكلم قد يصدر منه ما يعلم بالمعنى المراد منه، وقد يصدر منه ما يقترن بقرينة المجاز، وقد يصدر منه ما تجرد عن القرينة، وقد يصدر منه ما يشك في تجرده واقترانه لاحتمال اعتباره قرينة خفية اختفت على السامع، وقد يصدر منه ما يقترن به ما يشك في كونه قرينة معتبرة في نظر العقلاء، على معنى كونه مما يعامل معه معاملة القرائن ويعول عليه في إفهام المعنى المقصود.
والأول مع الثاني خارجان عن مجرى أصالة الحقيقة كما هو واضح، ككون الثالث من مجراها، بل هو أظهر مجاريها وهل هي جارية في الصورتين الأخيرتين أو لا؟