والحاصل: إن هذا الأصل هل يجري في جميع الصور الثلاث الباقية أو يختص بالصورة الأولى، أو يجري فيما عدا الصورة الأخيرة؟
فقد يقال: بجريانها في جميع الصور، كما هو لازم قول من يقدم الحقيقة المرجوحة في المجاز المشهور، عملا بأصالة الحقيقة مع اقتران اللفظ بما يشك كونه من القرائن وهو الشهرة، ويمكن كون الأمر المتعقب للحظر أيضا كذلك على رأي من يجعله للوجوب.
ولكن الذي يساعد عليه النظر عدم جريانها في الصورة الأخيرة، لأنها إن أخذت بمعنى ظهور الحقيقة فلا ظهور في تلك الصورة، لأن اقتران اللفظ بما يشك كونه من القرائن المعتبرة في العرف أوجب خروجه عن الظهور وصيرورته مجملا ومعه لا معنى لظهور الحقيقة، وإن أخذت بمعنى القاعدة المقتضية لحمل اللفظ على حقيقته، فهي بهذا المعنى غير شاملة لنحو هذه الصورة، سواء أريد بالقاعدة ما استفيد من العرف أو من العقل.
أما على الأول: فلأن كون بناء العرف على الحمل على الحقيقة في هذه الصورة غير ثابت، إن لم نقل بثبوت خلافه، بل المعلوم من العرف كون بنائهم فيها على الوقف.
وأما على الثاني: فلأن لزوم الإغراء بالجهل حكم عقلي موضوعه الظهور إذا أريد خلافه بغير قرينة، وقد عرفت انتفاء الظهور في نحو هذه الصورة.
وأما الصورتان الأخريان فيمكن بناء المسألة - من حيث جريان أصالة الحقيقة فيهما معا، أو اختصاصها بصورة واحدة وهي صورة التجرد عن القرينة - على مسألة كون عدم القرينة - بمعنى تجرد اللفظ عن القرينة - جزءا لما يقتضي حمل اللفظ على معناه الحقيقي، أو كون وجود القرينة مانعا عن الحمل.
فإن قلنا بالأول: لزمه اختصاصها بصورة التجرد، وإن قلنا بالثاني: لزمه جريانها في الصورتين معا. أما صورة التجرد فواضح، وأما صورة الشك في التجرد والاقتران فلأن المانع يكفي في إحراز عدمه عدم العلم بوجوده.