وقد يقرر: بأن المعاني المجازية في اللغة أكثر من المعاني الحقيقية، سواء أريد بالمعنى المجازي ما يصح استعمال اللفظ فيه، أو ما وقع الاستعمال فيه فعلا.
وقرر أيضا: بأن المعنى المجازي لكل لفظ أكثر من معناه الحقيقي، وإنما يتم ذلك إذا أريد بالمعنى المجازي ما هو بحسب الصلاحية.
وقرر أيضا: بأن أكثر المعاني المودعة في كتب اللغة مجازات.
والأجود هو الأول، وعليه اعتمد المحققون، بل المعظم على ما يلوح من كلامهم، ولا مدافعة بينه وبين ما يوجد في كلامهم من إنكار الغلبة التي جزم بها ابن جني بالنسبة إلى مجازات اللغة، لأنها - على ما ظهر سابقا من عبارته المنقولة - غلبة في الاستعمالات المجازية بالقياس إلى الاستعمالات الحقيقية، وإنكار هذه الغلبة لوضوح فسادها لا ينافي الاعتراف بغلبة المعاني المجازية.
وبالجملة: لا ينبغي الاسترابة في صغرى هذه الغلبة وأما كبراها فالظاهر أنها أيضا مما لا ينبغي التأمل فيه، لاستقرار بناء العرف وطريقة العقلاء في جميع معاملاتهم وكافة عاداتهم ومحاوراتهم على إلحاق المشتبه بالغالب، على معنى إجراء أحكامه عليه، وعدم الالتفات إلى الفرد النادر.
ويؤيده موثقة إسحاق بن عمار عن العبد الصالح (عليه السلام) إنه قال: لا بأس بالصلاة في فرو اليماني، وفيما صنع في أرض الإسلام.
قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس (1).
فتقرر بجميع ما ذكر أن المعتبر من الأصول الأربع المتقدمة إنما هو أصالة الحقيقة وأصالة المجاز بمعناهما الأخص.
وربما يحصل الإشكال في " أصالة المجاز " المعبر عنها في كلام القوم بأولوية المجاز من الاشتراك.