العقلاء حيثما قام في أمر اللغات كان بنفسه كاشفا قطعيا عن إذن الواضع وترخيصه، ولا يحتاج بعد كشفه القطعي إلى دليل الاعتبار.
ومع الغض عن ذلك فقوله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) (1) كاف في دليل اعتباره، لقضائه بإمضائه تعالى كل طريقة للعقلاء متعلقة بلغاتهم.
ومن جملة ذلك أخذهم بظواهر الألفاظ مطلقا، ولو في غير محل قصد الإفهام.
فإن قلت: لعل مستند المنع في نظر المانع عن الحجية لمن لم يقصد إفهامه دعوى وجود المانع لا توهم فقد المقتضي، وهو العلم الإجمالي بوجود القرائن من المتصلة والمنفصلة مع جملة كثيرة من الظواهر حين الخطاب قد اختفت على غير من قصد إفهامه.
أما القرائن المنفصلة فلأنها أمور فيما بين المتكلم والمخاطب قد زالت بزوال حالة المخاطبة.
وأما القرائن المتصلة فلزوالها أيضا بواسطة التقطيع الذي تطرق إلى الأخبار، فإن أجزاء الكلام كثيرا ما يفسر بعضها بعضا، وقد زال هذا الوصف عنه بالتقطيع فاشتبه محل انتفاء القرينة بمحل وجودها، ومعه سقط الاعتبار عن الظواهر رأسا بل خرجت عن الظهور.
قلت: إن أريد بالعلم الإجمالي المفروض ما هو حاصل بالنسبة إلى نوع الظواهر، حتى ظواهر غير الكتاب والسنة من المراسلات وغيرها، فهو واضح المنع، وإن أريد به ما هو كذلك في خصوص ظواهر الكتاب والسنة - فمع توجه المنع إلى دعوى عموم العلم الإجمالي بالقياس إلى ظواهر الكتاب و السنة حتى غير العمومات - إن العلم الإجمالي إنما يعالج ويتخلص عنه بالتزام الفحص، فإن من يجوز العمل بنحو هذه الظواهر يوجب الفحص عما يصادمها إلى أن يخرج المورد عن طرف العلم الإجمالي.