تزعمون) يعني أين الآلهة التي كنتم تعبدونها في الدار الدنيا من الأصنام والأنداد هل ينصرونكم أو ينتصرون، وهذا على سبيل التقريع والتهديد كما قال تعالى: (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتهم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون). وقوله: (قال الذين حق عليهم القول) يعني الشياطين والمردة والدعاة إلى الكفر (ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون) فشهدوا عليهم أنهم أغووهم فاتبعوهم ثم تبرؤا من عبادتهم كما قال تعالى: (واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا) وقال تعالى: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) وقال الخليل عليه السلام لقومه (إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا) الآية وقال الله تعالى: (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب - إلى قوله - وما هم بخارجين من النار) ولهذا قال: (وقيل ادعوا شركاءكم) أي ليخلصوكم مما أنتم فيه كما كنتم ترجون منهم في الدار الدنيا (فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب) أي وتيقنوا أنهم صائرون إلى النار لا محالة. وقوله:
(لو أنهم كانوا يهتدون) أي فودوا حين عاينوا العذاب لو أنهم كانوا من المهتدين في الدار الدنيا وهذا كقوله تعالى:
(ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا * ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا). وقوله: (ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين) النداء الأول عن سؤال التوحيد وهذا فيه إثبات النبوات ماذا كان جوابكم للمرسلين إليكم وكيف كان حالكم معهم وهذا كما يسأل العبد في قبره. من ربك ومن نبيك وما دينك؟ فأما المؤمن فيشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأما الكافر فيقول هاه هاه لا أدري ولهذا لا جواب له يوم القيامة غير السكون لان من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا. ولهذا قال تعالى: (فعميت عليهم الانباء يومئذ فهم لا يتساءلون) قال مجاهد فعميت عليهم الحجج فهم لا يتساءلون بالانساب. وقوله: (فأما من تاب وآمن وعمل صالحا) أي في الدنيا (فعسى أن يكون من المفلحين) أي يوم القيامة وعسى من الله موجبة فإن هذا واقع بفضل الله ومنته لا محالة.
وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحن الله وتعلى عما يشركون (68) وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون (69) وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم واليه ترجعون (70) يخبر تعالى أنه المنفرد بالخلق والاختيار وأنه ليس له في ذلك منازع ولا معقب قال تعالى: (وربك يخلق ما يشاء ويختار) أي ما يشاء فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن فالأمور كلها خيرها وشرها بيده ومرجعها إليه. وقوله: (ما كان لهم الخيرة) نفي على أصح القولين كقوله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) وقد اختار ابن جرير أن (ما) ههنا بمعنى الذي تقديره: ويختار الذي لهم فيه خيرة وقد احتج بهذا المسلك طائفة المعتزلة على وجوب مراعاة الأصلح والصحيح أنها نافية كما نقله ابن أبي حاتم عن ابن عباس وغيره أيضا فإن المقام في بيان انفراده تعالى بالخلق والتقدير والاختيار وأنه لا نظير له في ذلك ولهذا قال: (سبحان الله وتعالى عما يشركون) أي من الأصنام والأنداد التي لا تخلق ولا تختار شيئا ثم قال تعالى: (وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون) أي يعلم ما تكن الضمائر وما تنطوي عليه السرائر كما يعلم ما تبديه الظواهر من سائر الخلائق (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار). وقوله: (وهو الله لا إله إلا هو) أي هو المنفرد بالإلهية فلا معبود سواه كما لا رب يخلق ما يشاء ويختار سواه (له الحمد في الأولى والآخرة) أي في جميع ما يفعله هو المحمود عليه بعدله وحكمته (وله الحكم) أي الذي لا معقب له لقهره وغلبته