المبين) يعني إنما على الرسول أن يبلغكم ما أمره الله تعالى به من الرسالة والله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فاحرصوا لأنفسكم أن تكونوا من السعداء وقال قتادة في قوله: (وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم) قال يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم وهذا من قتادة يقتضي أنه قد انقطع الكلام الأول وأعترض بهذا إلى قوله: (فما كان جواب قومه) وهكذا نص على ذلك ابن جرير أيضا والظاهر من السياق أن كل هذا من كلام إبراهيم الخليل عليه السلام يحتج عليهم لاثبات المعاد لقوله بعد هذا كله (فما كان جواب قومه) والله أعلم.
أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير (19) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شئ قدير (20) يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون (21) وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولى ولا نصير (22) والذين كفروا بأيت الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم (23) يقول تعالى مخبرا عن الخليل عليه السلام أنه أرشدهم إلى إثبات المعاد الذي ينكرونه بما يشاهدونه في أنفسهم من خلق الله إياهم بعد أن لم يكونوا شيئا مذكورا ثم وجدوا وصاروا أناسا سامعين مبصرين فالذي بدأ هذا قادر على إعادته فإنه سهل عليه يسير لديه ثم أرشدهم إلى الاعتبار بما في الآفاق من الآيات المشاهدة من خلق الله الأشياء: السماوات وما فيها من الكواكب النيرة الثوابت والسيارات والأرضين وما فيها من مهاد وجبال وأودية وبراري وقفار وأشجار وأنهار وثمار وبحار كل ذلك دال على حدوثها في أنفسها وعلى وجود صانعها الفاعل المختار الذي يقول للشئ كن فيكون ولهذا قال: (أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير) كقوله تعالى: (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه) ثم قال تعالى: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة) أي يوم القيامة (إن الله على كل شئ قدير) وهذا المقام شبيه بقوله تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) وكقوله تعالى: (أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون * أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون). وقوله تعالى (يعذب من يشاء ويرحم من يشاء) أي هو الحاكم المتصرف الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون فله الخلق والامر مهما فعل فعدل لأنه المالك الذي لا يظلم مثقال ذرة كما جاء في الحديث الذي رواه أهل السنن " إن الله لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم " ولهذا قال تعالى: (يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون) أي ترجعون يوم القيامة وقوله تعالى: (وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء) أي لا يعجزه أحد من أهل سماواته وأرضه بل هو القاهر فوق عباده فكل شئ خائف منه فقير إليه وهو الغني عما سواه (وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير * والذين كفروا بآيات الله ولقائه) أي جحدوها وكفروا بالمعاد (أولئك يئسوا من رحمتي) أي لا نصيب لهم فيها (وأولئك لهم عذاب أليم) أي موجع شديد في الدنيا والآخرة.
فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو احرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لاية لقوم يؤمنون (24) وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيمة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من نصرين (25) يقول تعالى مخبرا عن قوم إبراهيم في كفرهم وعنادهم ومكابرتهم ودفعهم الحق بالباطل أنهم ما كان لهم جواب بعد مقالة إبراهيم هذه المشتملة على الهدى والبيان (إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه) وذلك لانهم قام عليهم البرهان وتوجهت