كنت بجانب الطور إذ نادينا) قال نودوا أن: يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني وأجبتكم قبل أن تدعوني وهكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث جماعة عن حمزة وهو ابن حبيب الزيات عن الأعمش ورواه ابن جرير من حديث وكيع ويحيى بن عيسى عن الأعمش عن علي بن مدرك عن أبي زرعة وهو ابن عمرو بن جرير أنه قال ذلك من كلامه والله أعلم.
وقال مقاتل بن حيان (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا) أمتك في أصلاب آبائهم أن يؤمنوا بك إذا بعثت وقال قتادة (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا) موسى وهذا والله أعلم أشبه بقوله تعالى: (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الامر) ثم أخبر ههنا بصيغة أخرى أخص من ذلك وهو النداء كما قال تعالى: (وإذ نادى ربك موسى) وقال تعالى: (إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى) وقال تعالى: (وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا) وقوله تعالى: (ولكن رحمة من ربك) أي ما كنت مشاهدا لشئ من ذلك ولكن الله تعالى أوحاه إليك وأخبرك به رحمة منه بك وبالعباد بإرسالك إليهم (لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون) أي لعلهم يهتدون بما جئتهم به من الله عز وجل (ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا) الآية أي وأرسلناك إليهم لتقيم عليهم الحجة ولينقطع عذرهم إذا جاءهم عذاب من الله بكفرهم فيحتجوا بأنهم لم يأتهم رسول ولا نذير كما قال تعالى بعد ذكره إنزال كتابه المبارك وهو القرآن (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين * أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة) وقال تعالى:
(رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) وقال تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير) الآية والآيات في هذا كثيرة.
فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتى مثل ما أوتى موسى أو لم يكفروا بما أوتى موسى من قبل قالوا سحران تظهرا وقالوا إنا بكل كافرون (48) قل فأتوا بكتب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين (49) فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هويه بغير هدى من الله إن الله لا يهدى القوم الظالمين (50) * ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون (51) يقول تعالى مخبرا عن القوم الذين لو عذبهم قبل قيام الحجة عليهم لاحتجوا بأنهم لم يأتهم رسول أنهم لما جاءهم الحق من عنده على لسان محمد صلى الله عليه وسلم قالوا على وجه التعنت والعناد والكفر والجهل والالحاد (لولا أوتي مثل ما أوتي موسى) الآية يعنون والله أعلم من الآيات الكثيرة مثل العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وتنقيص الزروع والثمار مما يضيق على أعداء الله وكفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى إلى غير ذلك من الآيات الباهرة والحجج القاهرة التي أجراها الله تعالى على يدي موسى عليه السلام حجة وبرهانا له على فرعون وملئه وبني إسرائيل ومع هذا كله لم ينجع في فرعون وملئه بل كفروا بموسى وأخيه هارون كما قالوا لهما (أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين) وقال تعالى: (فكذبوهما فكانوا من المهلكين) ولهذا قال ههنا (أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل) أي أو لم يكفر البشر بما أوتي موسى من تلك الآيات العظيمة (قالوا ساحران تظاهرا) أي تعاونا (وقالوا إنا بكل كافرون) أي بكل منهما كافرون ولشدة التلازم والتصاحب والمقاربة بين موسى وهارون دل ذكر أحدهما على الآخر كما قال الشاعر:
فما أدري إذا يممت أرضا * أريد الخير أيهما يليني