أي فما أدرى يليني الخير أو الشر. قال مجاهد: أمرت اليهود قريشا أن يقولوا لمحمد صلى الله عليه وسلم ذلك فقال الله (أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا ساحران تظاهرا) قال يعني موسى وهارون صلى الله عليهما وسلم (تظاهرا) أي تعاونا وتناصرا وصدق كل منها الآخر وبهذا قال سعيد بن جبير وأبو رزين في قوله (ساحران) يعنون موسى وهارون وهذا قول جيد قوي والله أعلم وقال مسلم بن يسار عن ابن عباس (قالوا ساحران تظاهرا) قال يعنون موسى ومحمدا صلى الله عليهما وسلم وهذا رواية الحسن البصري. وقال الحسن وقتادة. يعني عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم وهذا فيه بعد لان عيسى لم يجر له ذكر ههنا والله أعلم. وأما من قرأ (سحران تظاهرا) فقال علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس يعنون التوراة والقرآن وكذا قال عاصم الجندي والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال السدي: يعني صدق كل واحد منهما الآخر وقال عكرمة: يعنون التوراة والإنجيل وهو رواية عن أبي زرعة واختاره ابن جرير. وقال الضحاك وقتادة: الإنجيل والقرآن والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب والظاهر على قراءة (سحران) أنهم يعنون التوراة والقرآن لأنه قال بعده (قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه) وكثيرا ما يقرن الله بين التوراة والقرآن كما في قوله تعالى: (قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس - إلى أن قال - وهذا كتاب أنزلناه مبارك) وقال في آخر السورة (ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن) الآية وقال: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون) وقالت الجن (إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه) وقال ورقة بن نوفل: هذا الناموس الذي أنزل على موسى. وقد علم بالضرورة لذوي الألباب أن الله تعالى لم ينزل كتابا من السماء فيما أنزل من الكتب المتعددة على أنبيائه أكمل ولا أشمل ولا أفصح ولا أعظم ولا أشرف من الكتاب الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن وبعده في الشرف والعظمة الكتاب الذي أنزله على موسى بن عمران عليه السلام وهو الكتاب الذي قال الله فيه (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء) والإنجيل إنما أنزل متمما للتوراة ومحلا لبعض ما حرم على بني إسرائيل ولهذا قال تعالى: (قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين) أي فيما تدافعون به الحق وتعارضون به من الباطل قال الله تعالى: (فإن لم يستجيبوا لك) أي فإن لم يجيبوك عما قلت لهم ولم يتبعوا الحق (فاعلم أنما يتبعون أهواءهم) أي بلا دليل ولا حجة (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله) أي بغير حجة مأخوذة من كتاب الله (إن الله لا يهدي القوم الظالمين). وقوله تعالى: (ولقد وصلنا لهم القول) قال مجاهد فصلنا لهم القول. وقال السدي بينا لهم القول وقال قتادة: يقول تعالى أخبرهم كيف صنع بمن مضى وكيف هو صانع (لعلهم يتذكرون) قال مجاهد وغيره (وصلنا لهم) يعني قريشا وهذا هو الظاهر لكن قال حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن رفاعة - رفاعة هذا هو ابن قرظة القرظي وجعله ابن مندة: رفاعة بن شموال خال صفية بنت حيي وهو الذي طلق تميمة بنت وهب التي تزوجها بعده عبد الرحمن بن الزبير بن باطا كذا ذكره ابن الأثير - قال نزلت (ولقد وصلنا لهم القول) في عشرة أنا أحدهم. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديثه.
الذين آتيناهم الكتب من قبله هم به يؤمنون (52) وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبل مسلمين (53) أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون (54) وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعملنا ولكم أعملكم سلم عليكم لا نبتغي الجهلين (55) يخبر تعالى عن العلماء الأولياء من أهل الكتاب أنهم يؤمنون بالقرآن كما قال تعالى: (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به) وقال تعالى: (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله) وقال تعالى: (إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا) وقال تعالى: (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى - إلى قوله - فاكتبنا مع