الأرض: التكبر بغير حق والفساد أخذ المال بغير حق وقال ابن جريج (لا يريدون علوا في الأرض) تعظما وتجبرا (ولا فسادا) عملا بالمعاصي. وقال ابن جرير حدثنا وكيع حدثنا أبي عن أشعث السمان عن أبي سلام الأعرج عن علي قال: إن الرجل ليعجبه من شراك نعله أن يكون أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل في قوله تعالى (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) وهذا محمول على ما إذا أراد بذلك الفخر والتطاول على غيره فإن ذلك مذموم كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" إنه أوحي إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد " وأما إذا أحب ذلك لمجرد التأمل فهذا لا بأس به فقد ثبت أن رجلا قال: يا رسول الله إني أحب أن يكون ردائي حسنا ونعلي حسنة أفمن الكبر ذلك؟ فقال: " لا إن الله جميل يحب الجمال ". وقال تعالى: (من جاء بالحسنة) أي يوم القيامة (فله خير منها) أي ثواب الله خير من حسنة العبد فكيف والله يضاعفه أضعافا كثيرة وهذا مقام الفضل ثم قال (ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون) كما قال في الآية الأخرى (ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) وهذا مقام الفضل والعدل.
إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد قل ربى أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلل مبين (85) وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين (86) ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين (87) ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم واليه ترجعون (88) يقول تعالى آمرا رسوله صلوات الله وسلامه عليه ببلاغ الرسالة وتلاوة القرآن على الناس ومخبرا له بأنه سيرده إلى معاد وهو يوم القيامة فيسأله عما استرعاه من أعباء النبوة ولهذا قال تعالى (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) أي افترض عليك أداءه إلى الناس (لرادك إلى معاد) أي إلى يوم القيامة فيسألك عن ذلك كما قال تعالى (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) وقال تعالى (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم) وقال (وجئ بالنبيين والشهداء) وقال السدي عن أبي صالح عن ابن عباس (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) يقول لرادك إلى الجنة ثم سائلك عن القرآن. قاله السدي وقال أبو سعيد مثلها وقال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما (لرادك إلى معاد) قال إلى يوم القيامة ورواه مالك عن الزهري وقال الثوري عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (لرادك إلى معاد) إلى الموت ولهذا طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما وفي بعضها لرادك إلى معدنك من الجنة وقال مجاهد يحييك يوم القيامة وكذا روي عن عكرمة وعطاء وسعيد بن جبير وأبي قزعة وأبي مالك وأبي صالح وقال الحسن البصري أي والله إن له لمعادا فيبعثه الله يوم القيامة ثم يدخله الجنة. وقد روى عن ابن عباس غير ذلك كما قال البخاري في التفسير من صحيحه حدثنا محمد بن مقاتل أنبأنا يعلى حدثنا سفيان العصفري عن عكرمة عن ابن عباس (لرادك إلى معاد) قال إلى مكة وهكذا رواه النسائي في تفسير سننه وابن جرير من حديث يعلى وهو ابن عبيد الطنافسي به وهكذا رواه العوفي عن ابن عباس (لرادك إلى معاد) أي لرادك إلى مكة كما أخرجك منها وقال محمد بن إسحاق عن مجاهد في قوله (لرادك إلى معاد) إلى مولدك بمكة. وقال ابن أبي حاتم وقد روي عن ابن عباس ويحيى بن الخراز وسعيد بن جبير وعطية والضحاك نحو ذلك. وحدثنا أبي حدثنا ابن أبي عمر قال: قال سفيان فسمعناه من مقاتل منذ سبعين سنة عن الضحاك قال لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة فبلغ الجحفة اشتاق إلى مكة فأنزل الله عليه (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى