يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) أي هو أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية وقد ثبت في الصحيحين أنها نزلت في أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان يحوطه وينصره ويقوم في صفه ويحبه حبا شديدا طبعيا لا شرعيا فلما حضرته الوفاة وحان أجله دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الايمان والدخول في الاسلام فسبق القدر فيه واختطف من يده فاستمر على ما كان عليه من الكفر ولله الحكمة التامة. قال الزهري حدثني سعيد بن المسيب عن أبيه وهو المسيب بن حزن المخزومي رضي الله عنه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله " فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان له بتلك المقالة حتى كان آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " فأنزل الله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى) وأنزل في أبي طالب (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) أخرجاه من حديث الزهري وهكذا رواه مسلم في صحيحه والترمذي من حديث يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: لما حضرت وفاة أبي طالب أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا عماه قل إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة " فقال لولا أن تعيرني بها قريش يقولون ما حمله عليه إلا جزع الموت لاقررت بها عينك لا أقولها إلا لأقر بها عينك نزل الله تعالى (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن كيسان، ورواه الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد القطان عن يزيد بن كيسان حدثني أبو حازم عن أبي هريرة فذكره بنحوه وهكذا قال ابن عباس وابن عمر ومجاهد والشعبي وقتادة إنها نزلت في أبي طالب حين عرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لا إله إلا الله فأبى عليه ذلك وقال أي ابن أخي ملة الأشياخ وكان آخر ما قاله هو على ملة عبد المطلب، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو سلمة حدثنا حماد بن سلمة حدثنا عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن أبي راشد قال كان رسول قيصر جاء إلي قال كتب معي قيصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا فأتيته فدفعت الكتاب فوضعه في حجره ثم قال: " ممن الرجل؟ " قلت من تنوخ قال: " هل لك في دين أبيك إبراهيم الحنيفية؟ " قلت إني رسول قوم وعلى دينهم حتى أرجع إليهم فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظر إلى أصحابه وقال: " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء " وقوله تعالى: (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا) يقول تعالى مخبرا عن اعتذار بعض الكفار في عدم اتباع الهدى حيث قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا) أي نخشى إن اتبعنا ما جئت به من الهدى وخالفنا من حولنا من أحياء العرب المشركين أن يقصدونا بالأذى والمحاربة ويتخطفونا أينما كنا قال الله تعالى مجيبا لهم (أو لم نمكن لهم حرما آمنا) يعني هذا الذي اعتذروا به كذب وباطل لان الله تعالى جعلهم في بلد أمين وحرم معظم آمن منذ وضع فكيف يكون هذا الحرم آمنا لهم في حال كفرهم وشركهم ولا يكون آمنا لهم وقد أسلموا وتابعوا الحق؟ وقوله تعالى: (يجبى إليه ثمرات كل شئ) أي من سائر الثمار مما حوله من الطائف وغيره وكذلك المتاجر والأمتعة (رزقا من لدنا) أي من عندنا (ولكن أكثرهم لا يعلمون) ولهذا قالوا ما قالوا وقد قال النسائي أنبأنا الحسن بن محمد حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني ابن أبي مليكة قال: قال عمرو بن شعيب عن ابن عباس ولم يسمعه منه أن الحارث بن عامر بن نوفل الذي قال: (إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا).
وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مسكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين (58) وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلوا عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون (59) يقول تعالى معرضا بأهل مكة في قوله تعالى: (وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها) أي طغت وأشرت وكفرت نعمة الله فيما أنعم به عليهم من الأرزاق كما قال في الآية الأخرى (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان - إلى قوله - فأخذهم العذاب وهم ظالمون) ولهذا قال تعالى: (فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا