الناس لكثرتها. قال الأعمش عن خيثمة كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود كل مفتاح مثل الإصبع كل مفتاح على خزانة على حدته فإذا ركب حملت على ستين بغلا أغر محجلا وقيل غير ذلك والله أعلم. وقوله: (إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين) أي وعظه فيما هو فيه صالح قومه فقالوا على سبيل النصح والارشاد: لا تفرح بما أنت فيه يعنون لا تبطر بما أنت فيه من المال (إن الله لا يحب الفرحين) قال ابن عباس يعني المرحين وقال مجاهد يعني الأشرين البطرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم. وقوله: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا) أي استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات التي يحصل لك بها الثواب في الدنيا والآخرة (ولا تنس نصيبك من الدنيا) أي مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح فإن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا ولزورك عليك حقا فلت كل ذي حق حقه (وأحسن كما أحسن الله إليك) أي أحسن إلى خلقه كما أحسن هو إليك (ولا تبغ الفساد في الأرض) أي لا تكن همتك بما أنت فيه أن تفسد به في الأرض وتسئ إلى خلق الله (إن الله لا يحب المفسدين).
قال إنما أوتيته على علم عندي أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبه من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون (78) يقول تعالى مخبرا عن جواب قارون لقومه حين نصحوه وأرشدوه إلى الخير (قال إنما أوتيته على علم عندي) أي أنا لا أفتقر إلى ما تقولون فإن الله تعالى إنما أعطاني هذا المال لعلمه بأني أستحقه ولمحبته لي فتقديره إنما أعطيته لعلم الله في أني أهل له وهذا كقوله تعالى: (وإذا مس الانسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم) أي على علم من الله بي وكقوله تعالى (ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي) أي هذا أستحقه. وقد روي عن بعضهم أنه أراد (إنما أوتيته على علم عندي) أي أنه كان يعاني علم الكيمياء وهذا القول ضعيف لان علم الكيمياء في نفسه علم باطل لان قلب الأعيان لا يقدر أحد عليها إلا الله عز وجل قال الله تعالى: (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له) وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة فليخلقوا شعيرة " وهذا ورد في المصورين الذين يشبهون بخلق الله في مجرد الصورة الظاهرة أو الشكل فكيف بمن يدعي أنه يحيل ماهية هذه الذات إلى ماهية ذات أخرى هذا زور ومحال وجهل وضلال وإنما يقدرون على الصبغ في الصورة الظاهرة وهي كذب وزغل وتمويه وترويج أنه صحيح في نفس الامر وليس كذلك قطعا لا محالة ولم يثبت بطريق شرعي أنه صح مع أحد من الناس من هذه الطريقة التي يتعاطاها هؤلاء الجهلة الفسقة الأفاكون فأما ما يجريه الله سبحانه من خرق العوائد على يدي بعض الأولياء من قلب بعض الأعيان ذهبا أو فضة أو نحو ذلك فهذا أمر لا ينكره مسلم ولا يرده مؤمن ولكن هذا ليس من قبيل الصناعات وإنما هذا عن مشيئة رب الأرض والسماوات واختياره وفعله كما روي عن حياة بن شريح المصري رحمه الله أنه سأله سائل فلم يكن عنده ما يعطيه ورأى ضرورته فأخذ حصاة من الأرض فأجالها في كفه ثم ألقاها إلى ذلك السائل فإذا هي ذهب أحمر.
والأحاديث والآثار في هذا كثيرة جدا يطول ذكرها وقال بعضهم إن قارون كان يعرف الاسم الأعظم فدعا الله به فتمول بسببه. والصحيح المعنى الأول ولهذا قال الله تعالى رادا عليه فما ادعاه من اعتناء الله به فيما أعطاه من المال (أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا) أي قد كان من هو أكثر منه مالا وما كان ذلك عن محبة منا له وقد أهلكهم الله مع ذلك بكفرهم وعدم شكرهم ولهذا قال (ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون) أي لكثرة ذنوبهم. قال قتادة: (على علم عندي) على خير عندي وقال السدي على علم أني أهل لذلك. وقد أجاد في تفسير هذه الآية الامام عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فإنه قال في قوله: (قال