إنما أوتيته على علم عندي) قال لولا رضا الله عني ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا المال وقرأ (أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا) الآية. وهكذا يقول من قل علمه إذا رأى من وسع الله عليه لولا أن يستحق ذلك لما أعطي.
فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يليت لنا مثل ما أوتى قرون إنه لذو حظ عظيم (79) وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صلحا ولا يلقيها إلا الصابرون (80) يقول تعالى مخبرا عن قارون أنه خرج ذات يوم على قومه في زينة عظيمة وتجمل باهر من مراكب وملابس عليه وعلى خدمه وحشمه فلما رآه من يريد الحياة الدنيا ويميل إلى زخارفها وزينتها تمنوا أن لو كان لهم مثل الذي أعطي (قالوا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم) أي ذو حظ وافر من الدنيا فلما سمع مقالتهم أهل العلم النافع (ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا) أي جزاء الله لعباده المؤمنين الصالحين في الدار الآخرة خير مما ترون. كما في الحديث الصحيح " يقول الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر واقرأوا إن شئتم (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) وقوله " (ولا يلقاها إلا الصابرون) قال السدي ولا يلقى الجنة إلا الصابرون كأنه جعل ذلك من تمام كلام الذين أوتوا العلم قال ابن جرير ولا يلقى هذه الكلمة إلا الصابرون عن محبة الدنيا الراغبون في الدار الآخرة وكأنه جعل ذلك مقطوعا من كلام أولئك وجعله من كلام الله عز وجل وإخباره بذلك.
فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين (81) وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون (82) لما ذكر تعالى اختيال قارون في زينته وفخره على قومه وبغيه عليهم عقب ذلك بأنه خسف به وبداره الأرض كما ثبت في الصحيح عند البخاري من حديث الزهري عن سالم أن أباه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بينما رجل يجر إزاره إذ خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة " ثم رواه من حديث جرير بن زيد عن سالم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وقال الإمام أحمد حدثنا النضر بن إسماعيل أبو المغيرة القاص حدثنا الأعمش عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بينما رجل ممن كان قبلكم خرج في بردين أخضرين يختال فيهما أمر الله الأرض فأخذته فإنه ليتجلجل فيها إلى يوم القيامة " تفرد به أحمد وإسناده حسن وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي حدثنا أبو خيثمة حدثنا يعلى بن منصور أخبرني محمد بن مسلم سمعت زياد النميري يحدث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بينما رجل ممن كان قبلكم خرج في بردين فاختال فيهما فأمر الله الأرض فأخذته فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة " وقد ذكر الحافظ محمد بن المنذر في كتاب العجائب الغريبة بسنده عن نوفل بن مساحق قال رأيت شابا في مسجد نجران فجعلت أنظر إليه وأتعجب من طوله وتمامه وجماله فقال مالك تنظر إلي؟ فقلت أعجب من جمالك وكمالك. فقال إن الله ليعجب مني قال فما زال ينقص وينقص حتى صار بطول الشبر فأخذه بعض قرابته في كمه وذهب به.
وقد ذكر أن هلاك قارون كان من دعوة موسى نبي الله عليه السلام واختلف في سببه فعن ابن عباس والسدي أن قارون أعطى امرأة بغيا مالا على أن تبهت موسى بحضرة الملا من بني إسرائيل وهو قائم فيهم يتلو عليهم كتاب الله تعالى فتقول يا موسى إنك فعلت بي كذا وكذا فلما قالت ذلك في الملا لموسى عليه السلام أرعد من الفرق وأقبل عليها بعدما صلى ركعتين ثم قال أنشدك بالله الذي فرق البحر وأنجاكم من فرعون وفعل كذا وكذا لما