الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا (5) قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما (6) يقول تعالى مخبرا عن سخافة عقول الجهلة من الكفار في قولهم عن القرآن " إن هذا إلا إفك " أي كذب " افتراه " يعنون النبي صلى الله عليه وسلم " وأعانه عليه قوم آخرون " أي واستعان على جمعه بقوم آخرين فقال الله تعالى " فقد جاءوا ظلما وزورا " أي فقد افتروا هم قولا باطلا وهم يعلمون أنه باطل ويعرفون كذب أنفسهم فيما زعموه " وقالوا أساطير الأولين اكتتبها " يعنون كتب الأوائل أي استنسخها " فهي تملى عليه " أي تقرأ عليه " بكرة وأصيلا " أي في أول النهار وآخره وهذا الكلام لسخافته وكذبه وبهته منهم يعلم كل أحد بطلانه فإنه قد علم بالتواتر وبالضرورة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعاني شيئا من الكتابة لا في أول عمره ولا في آخره وقد نشأ بين أظهرهم من أول مولده إلى أن بعثه الله نحوا من أربعين سنة وهم يعرفون مدخله ومخرجه وصدقه ونزاهته وبره وأمانته وبعده عن الكذب والفجور وسائر الأخلاق الرذيلة حتى إنهم كانوا يسمونه في صغره، وإلى أن بعث الأمين، لما يعلمون من صدقه وبره فلما أكرمه الله بما أكرمه به نصبوا له العداوة ورموه بهذه الأقوال التي يعلم كل عاقل براءته منها وحاروا فيما يقذفونه به فتارة من إفكهم يقولون ساحر وتارة يقولون شاعر وتارة يقولون مجنون وتارة يقولون كذاب وقال الله تعالى " انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا " وقال تعالى في جواب ما عاندوا ههنا وافتروا " قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض " الآية أي أنزل القرآن المشتمل على أخبار الأولين والآخرين إخبارا حقا صدقا مطابقا للواقع في الخارج ماضيا ومستقبلا " الذي يعلم السر " أي الله الذي يعلم غيب السماوات والأرض، ويعلم السرائر كعلمه بالظواهر، وقوله تعالى " إنه كان غفورا رحيما " دعاء لهم إلى التوبة والإنابة وإخبار لهم بأن رحمته واسعة وأن حلمه عظيم، مع أن من تاب إليه تاب عليه، فهؤلاء مع كذبهم وافترائهم وفجورهم وبهتانهم وكفرهم وعنادهم وقولهم عن الرسول والقرآن ما قالوا يدعوهم إلى التوبة والاقلاع عما هم فيه إلى الاسلام والهدى كما قال تعالى " لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم * أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم " وقال تعالى " إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق " قال الحسن البصري: انظروا إلى هذا الكرم والجود قتلوا أولياءه وهو عذاب الحريق " قال الحسن البصري: انظروا إلى هذا الكرم والجود قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والرحمة.
وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا (7) أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا (8) انظر كيف ضربوا لك الأمثل فضلوا فلا يستطيعون سبيلا (9) تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنت تجري من تحتها الانهر ويجعل لك قصورا (10) بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا (11) إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا (12) وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا (13) لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا (14) يخبر تعالى عن تعنت الكفار وعنادهم وتكذيبهم للحق بلا حجة ولا دليل منهم وإنما تعللوا بقولهم " ما لهذا الرسول يأكل الطعام " يعنون كما نأكله ويحتاج إليه كما نحتاج " ويمشي في الأسواق " أي يتردد فيها وإليها طلبا