كانت؟ وأن ينتقل الإنسان من سن الشباب إلى سن النقصان. قالوا: السبب فيه أنه إذا حصل هذا الاستواء، فالحرارة الغريزية بعد ذلك تؤثر في تخفيف الرطوبة الغريزية، فتقل الرطوبات الغريزية حتى صارت بحيث لا تقي بحفظ الحرارة الغريزية، وإذا حصلت هذه الحالة ضعفت الحرارة الغريزية أيضا، لأن الرطوبة الغريزية كالغذاء للحرارة الغريزية، فإذا قل الغذاء ضعف المغتذي. فالحاصل: أن الحرارة الغريزية توجب قلة الرطوبة الغريزية، وقلتها توجب ضعف الحرارة الغريزية، ويلم من ضعف إحداهما ضعف الأخرى إلى أن تنتهي إلى حيث لا يبقى من الرطوبة الغريزية شيء، وحينئذ تنطفئ الحرارة الغريزية، ويحصل الموت هذا منتهى ما قالوه في هذا الباب، وهو ضعيف، لأنا نقول: إن الحرارة الغريزية إذا أثرت في تجفيف الرطوبة الغريزية وقلتها، فلم لا يجوز أن يقال: إن القوة الغاذية تورد بدلها. فعند هذا قالوا: القوة الغاذية إنما تقوى على إيراد بدلها لو كانت الحرارة الغريزية قوية، فأما عند ضعفها فلا، فنقول: فههنا لزم الدور، لأن الرطوبة الغريزية إنما تقل وتنقص لو لم تكن القوة الغاذية وافية بإيراد بدلها، وإنما تعجز القوة الغاذية عن هذا الإيراد إذا كانت الحرارة الغريزية ضعيفة، وإنما تكون الحرارة الغريزية ضعيفة أن لو قلت الرطوبة الغريزية، وإنما تحصل هذه القلة إذا عجزت الغاذية عن إيراد البدل، فثبت أن على القول الذي قالوه بلزوم الدور وأنه باطل فثبت أن تعليل انتقال الإنسان من سن إلى سن بما ذكروه من اعتبار الطبائع يوجب عليهم هذه المحاولات المذكورة فكان القول به باطلا، ولما بطل هذا القول وجب القطع بإسناد هذه الأحوال إلى الإله القادر المختار الحكيم الرحيم الذي يدبر أبدان الحيوانات على الوجه الموافق لمصالحها، وذلك هو المطلوب. وقد كنت أقرأ يوما من الأيام سورة المرسلات فلما وصلت إلى قوله تعالى: * (ألم نخلقكم من ماء مهين * فجعلناه في قرار مكين * إلى قدر معلوم * فقدرنا فنعم القادرون * ويل يومئذ للمكذبين) * (المرسلات: 20 - 24) فقلت: لا شك أن المراد بهؤلاء المكذبين هم الذين نسبوا تكون الأبدان الحيوانية إلى الطبائع وتأثير الحرارة في الرطوبة، وأنا أؤمن من صميم قلبي يا رب العزة بأن هذه التدبيرات ليست من الطبائع بل من خالق العالم الذي هو أحكم الحاكمين وأكرم الأكرمين.
إذا عرفت هذا فقد صح بالدليل العقلي صدق قوله: * (والله خلقكم) * لأنه ثبت أن خالق أبدان الناس وسائر الحيوانات ليس هو الطبائع بل هو الله سبحانه وتعالى، وقوله: * (ثم يتوفاكم) * قد بينا أن السبب الذي ذكروه في صيرورة الموت فاسد باطل، وأنه يلزم عليه القول بالدور، ولما بطل ذلك ثبت أن الحياة والموت إنما حصلا بتخليق الله، وبتقديره، وقوله: * (ومنكم من يرد إلى أرذل