لهم في المدة القليلة. وأما في الآخرة فالفوز بالثواب العظيم والخلاص من العقاب الأليم.
قوله تعالى * (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) * في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى لما شرح الأوامر الثلاثة، عاد بعده إلى ذكر النواهي فنهى عن ثلاثة أشياء: أولها: قوله: * (ولا تقف ما ليس لك به علم) * وقوله: * (تقف) * مأخوذ من قولهم: قفوت أثر فلان أقفو قفوا وقفوا إذا اتبعت أثره، وسميت قافية الشعر قافية لأنها تقفو البيت، وسميت القبيلة المشهورة بالقافة، لأنهم يتبعون آثار أقدام الناس ويستدلون بها على أحوال الإنسان، وقال تعالى: * (ثم قفينا على آثارهم برسلنا) * (الحديد: 27) وسمي القفا قفا لأنه مؤخر بدن الإنسان كأنه شيء يتبعه ويقفوه فقوله: * (ولا تقف) * أي ولا تتبع ولا تقتف ما لا علم لك به من قول أو فعل، وحاصله يرجع إلى النهي عن الحكم بما لا يكون معلوما، وهذه قضية كلية يندرج تحتها أنواع كثيرة، وكل واحد من المفسرين حمله على واحد من تلك الأنواع وفيه وجوه:
الوجه الأول: المراد نهي المشركين عن المذاهب التي كانوا يعتقدونها في الإلهيات والنبوات بسبب تقليد أسلافهم، لأنه تعالى نسبهم في تلك العقائد إلى اتباع الهوى فقال: * (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس) * (النجم: 23) وقال في إنكارهم البعث: * (بل أدارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون) * (النمل: 66) وحكي عنهم أنهم قالوا: * (إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين) * (الجاثية: 32) وقال: * (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله) * (القصص: 50) وقال: * (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام) * (النحل: 116) الآية وقال: * (هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن) * (الأنعام: 148).
والقول الثاني: نقل عن محمد بن الحنفية أن المراد منه شهادة الزور، وقال ابن عباس: لا تشهد إلا بما رأته عيناك وسمعته أذناك ووعاه قلبك.
والقول الثالث: المراد منه: النهي عن القذف ورمي المحصنين والمحصنات بالأكاذيب، وكانت عادة العرب جارية بذلك يذكرونها في الهجاء ويبالغون فيه.