والقول الرابع: المراد منه النهي عن الكذب. قال قتادة: لا تقل سمعت ولم تسمع ورأيت ولم تر وعلمت ولم تعلم.
والقول الخامس: أن القفو هو البهت وأصله من القفا، كأنه قول يقال خلفه وهو في معنى الغيبة وهو ذكر الرجل في غيبته بما يسوءه. وفي بعض الأخبار من قفا مسلما بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال، واعلم أن اللفظ عام يتناول الكل فلا معنى للتقليد والله أعلم.
المسألة الثانية: احتج نفاة القياس بهذه الآية فقالوا: القياس لا يفيد إلا الظن والظن مغاير للعلم، فالحكم في دين الله بالقياس حكم بغير المعلوم، فوجب أن لا يجوز لقوله تعالى: * (ولا تقف ما ليس لك به علم) *.
أجيب عنه من وجوه: الأول: أن الحكم في الدين بمجرد الظن جائز بإجماع الأمة في صور كثيرة: أحدها: أن العمل بالفتوى عمل بالظن وهو جائز. وثانيها: العمل بالشهادة عمل بالظن وأنه جائز. وثالثها: الاجتهاد في طلب القبلة لا يفيد إلا الظن وأنه جائز. ورابعها: قيم المتلفات وأروش الجنايات لا سبيل إليها إلا بالظن وأنه جائز. وخامسها: الفصد والحجامة وسائر المعالجات بناء على الظن وأنه جائز. وسادسها: كون هذه الذبيحة ذبيحة للمسلم مظنون لا معلوم، وبناء الحكم عليه جائز. وسابعها: قال تعالى: * (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) * (النساء: 35) وحصول ذلك الشقاق مظنون لا معلوم. وثامنها: الحكم على الشخص المعين بكونه مؤمنا مظنون ثم نبني على هذا الظن أحكاما كثيرة مثل حصول التوارث ومثل الدفن في مقابر المسلمين وغيرهما. وتاسعها: جميع الأعمال المعتبرة في الدنيا من الأسفار، وطلب الأرباح والمعاملات إلى الآجال المخصوصة والاعتماد على صداقة الأصدقاء وعداوة الأعداء كلها مظنونة وبناء الأمر على تلك الظنون جائز. وعاشرها: قال عليه السلام: " نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر " وذلك تصريح بأن الظن معتبر في هذه الأنواع العشرة فبطل قول من يقول: إنه لا يجوز بناء الأمر على الظن.
والجواب الثاني: أن الظن قد يسمى بالعلم. والدليل عليه قوله تعالى: * (إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحونهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار) * (الممتحنة: 10) ومن المعلوم أنه إنما يمكن العلم بإيمانهن بناء على اقرارهن، وذلك لا يفيد إلا الظن، فههنا الله تعالى سمى الظن علما.
والجواب الثالث: أن الدليل القاطع لما دل على وجوب العمل بالقياس، وكان ذلك الدليل دليلا على أنه متى حصل ظن أن حكم الله في هذه السورة يساوي حكمه في محل النص،