مقدم على العام، فثبت أن هذه الآية لا يجوز التمسك بها في مسألة أن موجب العمد هو القصاص ولا في مسألة أنه يجب قتل المسلم بالذمي، ولا في مسألة أنه يجب قتل الحر بالعبد والله أعلم.
أما قوله تعالى: * (فلا يسرف في القتل) * ففيه مباحث:
البحث الأول: فيه وجوه: الأول: المراد هو أن يقتل القاتل وغير القاتل، وذلك لأن الواحد منهم إذا قتل واحدا من قبيلة شريفة فأولياء ذلك المقتول كانوا يقتلون خلقا من القبيلة الدنيئة فنهى الله تعالى عنه وأمر بالاقتصار على قتل القاتل وحده. الثاني: هو أن لا يرضى بقتل القاتل فإن أهل الجاهلية كانوا يقصدون أشراف قبيلة القاتل ثم كانوا يقتلون منهم قوما معينين ويتركون القاتل. والثالث: هو أن لا يكتفي بقتل القاتل بل يمثل به ويقطع أعضاؤه. قال القفال: ولا يبعد حمله على الكل، لأن جملة هذه المعاني مشتركة في كونها إسرافا.
البحث الثاني: قرأ الأكثرون: * (فلا يسرف) * بالياء وفيه وجهان: الأول: التقدير: فلا ينبغي أن يسرف الولي في القتل. الثاني: أن الضمير للقاتل الظالم ابتداء، أي فلا ينبغي أن يسرف ذلك الظالم وإسرافه عبارة عن إقدامه على ذلك القتل الظلم، وقرأ حمزة والكسائي: * (فلا تسرف) * بالتاء على الخطاب، وهذه القراءة تحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون الخطاب للمبتدئ القاتل ظلما كأنه قيل له: لا تسرف أيها الإنسان، وذلك الإسراف هو إقدامه على ذلك القتل الذي هو ظلم محض، والمعنى: لا تفعل فإنك إن قتلته مظلوما استوفى القصاص منك. والآخر: أن يكون الخطاب للولي فيكون التقدير: لا تسرف في القتل أيها الولي، أي اكتف باستيفاء القصاص ولا تطلب الزيادة. وأما قوله: * (إنه كان منصورا) * ففيه ثلاثة أوجه: الأول: كأنه قيل للظالم المبتدئ بذلك القتل على سبيل الظلم لا تفعل ذلك، فإن ذلك المقتول يكون منصورا في الدنيا والآخرة، أما نصرته في الدنيا فبقتل قاتله، وأما في الآخرة فبكثرة الثواب له وكثرة العقاب لقاتله.
والقول الثاني: أن هذا الولي يكون منصورا في قتل ذلك القاتل الظالم فليكتف بهذا القدر فإنه يكون منصورا فيه ولا ينبغي أن يطمع في الزيادة منه، لأن من يكون منصورا من عند الله يحرم عليه طلب الزيادة.
والقول الثالث: أن هذا القاتل الظالم ينبغي أن يكتفي باستيفاء القصاص وأن لا يطلب الزيادة.
واعلم أن على القول الأول والثاني ظهر أن المقتول وولي دمه يكونان منصورين من عند الله تعالى وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قلت لعلي بن أبي طالب عليه السلام وأيم الله ليظهرن عليكم ابن أبي سفيان، لأن الله تعالى يقول: * (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) * وقال