ضعيف لاحتمال أن يكون المراد: * (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) * فلا ينبغي أن يسرف الظالم في ذلك القتل، لأن ذلك المقتول منصور بواسطة إثبات هذه السلطنة لوليه. والثاني: أن تلك السلطنة مجملة ثم صارت مفسرة بالآية والخبر، أما الآية فقوله تعالى في سورة البقرة: * (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) * (البقرة: 178) إلى قوله: * (فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) * (البقرة: 178) وقد بينا في تفسير هذه الآية أنها تدل على أن الواجب هو كون المكلف مخيرا بين القصاص وبين الدية. وأما الخبر فهو قوله عليه السلام يوم الفتح: " من قتل قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية " وعلى هذا الطريق فقوله: * (فلا يسرف في القتل) * معناه: أنه لما حصلت له سلطنة استيفاء القصاص إن شاء، وسلطنة استيفاء الدية إن شاء. قال بعده: * (فلا يسرف في القتل) * معناه أن الأولى أن لا يقدم على استيفاء القتل وأن يكتفي بأخذ الدية أو يميل إلى العفو وبالجملة فلفظة " في " محمولة على الباء، والمعنى: فلا يصير مسرفا بسبب إقدامه على القتل ويصير معناه الترغيب في العفو والاكتفاء بالدية كما قال: * (وأن تعفو أقرب للتقوى) * (البقرة: 237).
البحث الثاني: أن في قوله: * (ومن قتل مظلوما) * ذكر كونه مظلوما بصيغة التنكير، وصيغة التنكير على ما عرف تدل على الكمال، فالإنسان المقتول ما لم يكن كاملا في وصف المظلومية لم يدخل تحت هذا النص. قال الشافعي رحمه الله: قد دللنا على أن المسلم إذا قتل الذمي لم يدخل تحت هذه الآية، بدليل أن الذمي مشرك والمشرك يحل دمه، إنما قلنا: إنه مشرك لقوله تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * (النساء: 116) حكم بأن ما سوى الشرك مغفور في حق البعض، فلو كان كفر اليهودي والنصراني شيئا مغايرا للشرك لوجب أن يصير مغفورا في حق بعض الناس بمقتضى هذه الآية، فلما لم يصر مغفورا في حق أحد دل على أن كفرهم شرك، ولأنه تعالى قال: * (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) * (البقرة: 73) فهذا التثليث الذي قال به هؤلاء، إما أن يكون تثليثا في الصفات وهو باطل، لأن ذلك هو الحق وهو مذهب أهل السنة والجماعة فلا يمكن جعله تثليثا للكفر، وإما أن يكون تثليثا في الذوات، وذلك هو الحق ولا شك أن القائل به مشرك، فثبت أن الذمي مشرك، وإنما قلنا: إن المشرك يجب قتله لقوله تعالى: * (اقتلوا المشركين) * (التوبة: 5) ومقتضى هذا الدليل إباحة دم الذمي فإن لم تثبت الإباحة فلا أقل من حصول شبهة الإباحة.
وإذا ثبت هذا فنقول: ثبت أنه ليس كاملا في المظلومية فلم يندرج تحت قوله تعالى: * (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) * وأما الحر إذا قتل عبدا فهو داخل تحت هذه الآية إلا أنا بينا أن قوله: * (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد) * (البقرة: 178) يدل على المنع من قتل الحر بالعبد من وجوه كثيرة وتلك الآية أخص من قوله: * (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) * والخاص