* (اقرأ كتابك) * قال الحسن: يقرؤه أميا كان أو غير أمي، وقال بكر بن عبد الله: يؤتى بالمؤمن يوم القيامة بصحيفته وهو يقرؤها وحسناته في ظهرها يغبطه الناس عليها، وسيئاته في جوف صحيفته وهو يقرؤها، حتى إذا ظن أنها أوبقته قال الله تعالى: " اذهب فقد غفرتها لك فيما بيني وبينك " فيعظم سروره، ويصير من الذين قال في حقهم: * (وجوه يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة) * (عبس: 38، 39) ثم يقول: * (هاؤم اقرؤا كتابيه) * (الحاقة: 19).
وأما قوله: * (كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) * أي محاسبا. قال الحسن: عدل والله في حقك من جعلك حسيب نفسك. قال السدي: يقول الكافر يومئذ إنك قضيت أنك لست بظلام للعبيد، فاجعلني أحاسب نفسي فيقال له: * (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) * والله أعلم.
المسألة الرابعة: قال حكماء الإسلام: هذه الآية في غاية الشرف، وفيها أسرار عجيبة في أبحاث:
البحث الأول: أنه تعالى جعل فعل العبد كالطير الذي يطير إليه، وذلك لأنه تعالى قدر لكل أحد في الأزل مقدارا من الخير والشر، فذلك الحكم الذي سبق في علمه الأزلي وحكمه الأزلي لا بد وأن يصل إليه، فذلك الحكم كأنه طائر يطير إليه من الأزل إلى ذلك الوقت، فإذا حضر ذلك الوقت وصل إليه ذلك الطائر وصولا لا خلاص له البتة ولا انحراف عنه البتة. وإذا علم الإنسان في كل قول وفعل ولمحة وفكرة أنه كان ذلك بمنزلة طائر طيره الله إليه على منهج معين وطريق معين، وأنه لا بد وأن يصل إليه ذلك الطائر، فعند ذلك عرف أن الكفاية الأبدية لا تتم إلا بالعناية الأزلية.
والبحث الثاني: أن هذه التقديرات إنما تقدرت بإلزام الله تعالى. وذلك باعتبار أنه تعالى جعل لكل حادث حادثا متقدما عليه لحصول الحادث المتأخر، فلما كان وضع هذه السلسلة من الله لا جرم كان الكل من الله، وعند هذا يتخيل الإنسان طيورا لا نهاية لها ولا غاية لأعدادها، فإنه تعالى طيرها من وكر الأزل وظلمات عالم الغيب، وأنها صارت وطارت طيرانا لا بداية له ولا غاية له، وكان كل واحد منها متوجها إلى ذلك الإنسان المعين في الوقت المعين بالصفة المعينة، وهذا هو المراد من قوله: * (ألزمناه طائره في عنقه) *.
البحث الثالث: أن التجربة تدل على أن تكرار الأعمال الاختيارية تفيد حدوث الملكة النفسانية الراسخة في جوهر النفس، ألا ترى أن من واظب على تكرار قراءة درس واحد صار ذلك الدرس محفوظا، ومن واظب على عمل واحد مدة مديدة صار ذلك العمل ملكة له.
إذا عرفت هذا فنقول: لما كان التكرار الكثير يوجب حصول الملكة الراسخة وجب