تعالى: * (إن لك في النهار سبحا) * (المزمل: 7) أي تباعدا فمعنى: سبح الله تعالى، أي بعده ونزهه عما لا ينبغي وتمام المباحث العقلية في لفظ التسبيح قد ذكرناها في أول سورة الحديد، وقد جاء في لفظ التسبيح معان أخرى: أحدها: أن التسبيح يذكر بمعنى الصلاة، ومنه قوله تعالى: * (فلولا أنه كان من المسبحين) * (الصفات: 143) أي من المصلين، والسبحة الصلاة النافلة، وإنما قيل للمصلي مسبح، لأنه معظم لله بالصلاة ومنزه له عما لا ينبغي. وثانيها: ورد التسبيح بمعنى الاستثناء في قوله تعالى: * (قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون) * (القلم: 28) أي تستثنون وتأويله أيضا يعود إلى تعظيم الله تعالى في الاستثناء بمشيئته. وثالثها: جاء في الحديث: " لأحرقت سبحات وجهه ما أدركت من شيء " قيل معناه نور وجهه، وقيل: سبحات وجهه، نور وجهه الذي إذا رآه الرائي قال: سبحان الله، وقوله: * (أسرى) * قال أهل اللغة: أسرى وسرى لغتان: وقوله: * (بعبده) * أجمع المفسرون على أن المراد محمد عليه الصلاة والسلام، وسمعت الشيخ الإمام الوالد عمر بن الحسين رحمه الله قال: سمعت الشيخ الإمام أبا القاسم سليمان الأنصاري قال: لما وصل محمد صلوات الله عليه إلى الدرجات العالية والمراتب الرفيعة في العارج أوحى الله تعالى إليه: يا محمد بم أشرفك؟ قال: " رب بأن تنسبني إلى نفسك بالعبودية " فأنزل الله فيه: * (سبحان الذي أسرى بعبده) * وقوله: * (ليلا) * نصب على الظرف.
فإن قيل: الإسراء لا يكون إلا بالليل فما معنى ذكر الليل؟
قلنا: أراد بقوله: * (ليلا) * بلفظ التنكير تقليل مدة الإسراء وأنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة، وذلك أن التنكير فيه قد دل على معنى البعضية، واختلفوا في ذلك الليل قال مقاتل: كان ذلك الليل قبل الهجرة بسنة، ونقل صاحب " الكشاف " عن أنس والحسن أنه كان ذلك قبل البعثة. وقوله: * (من المسجد الحرام) * اختلفوا في المكان الذي أسرى به منه، فقيل هو المسجد الحرام بعينه وهو الذي يدل عليه ظاهر لفظ القرآن، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر عند البيت بين النائم واليقظان إذ أتاني جبريل بالبراق " وقيل أسري به من دار أم هانئ بنت أبي طالب. والمراد على هذا القول بالمسجد الحرام الحرم لإحاطته بالمسجد والتباسه به، وعن ابن عباس الحرم كله مسجد، وهذا قول الأكثرين وقوله: * (إلى المسجد الأقصى) * اتفقوا على أن المراد منه بيت المقدس وسمي بالأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام وقوله: * (الذي باركنا حوله) * قيل بالثمار والأزهار، وقيل بسبب أنه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة.
واعلم أن كلمة * (إلى) * لانتهاء الغاية فمدلول قوله: * (إلى المسجد الأقصى) * أنه وصل إلى حد ذلك