لصحة الحياة والعقل، فتلك الأصنام حال كونها خشبا وحجرا قابلة للحياة والعقل، وعلى هذا التقدير فيصح من الله تعالى أن يجعلها حية عاقلة ثم إنها تشتغل بهداية الغير. الخامس: أن الهدى عبارة عن النقل والحركة يقال: هديت المرأة إلى زوجها هدى، إذا نقلت إليه والهدي ما يهدى إلى الحرم من النعم، وسميت الهدية هدية لانتقالها من رجل إلى غيره، وجاء فلان يهادى بين اثنين إذا كان يمشي بينهما معتمدا عليهما من ضعفه وتمايله.
إذا ثبت هذا فنقول: قوله: * (أم من لا يهدي إلا أن يهدي) * يحتمل أن يكون معناه أنه لا ينتقل إلى مكان إلا إذا نقل إليه، وعلى هذا التقدير فالمراد الإشارة إلى كون هذه الأصنام جمادات خالية عن الحياة والقدرة. واعلم أنه تعالى لما قرر على الكفار هذه الحجة الظاهرة قال: * (فما لكم كيف تحكمون) * يعجب من مذهبهم الفاسد ومقالتهم الباطلة أرباب العقول.
ثم قال تعالى: * (وما يتبع أكثرهم إلا ظنا) * وفيه وجهان: الأول: وما يتبع أكثرهم في إقرارهم بالله تعالى إلا ظنا، لأنه قول غير مستند إلى برهان عندهم، بل سمعوه من أسلافهم. الثاني: وما يتبع أكثرهم في قولهم الأصنام آلهة وأنها شفعاء عند الله إلا الظن والقول الأول أقوى، لأنا في القول الثاني نحتاج إلى أن نفسر الأكثر بالكل.
ثم قال تعالى: * (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: تمسك نفاة القياس بهذه الآية، فقالوا: العمل بالقياس عمل بالظن، فوجب أن لا يجوز، لقوله تعالى: * (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) *.
أجاب مثبتو القياس، فقالوا: الدليل الذي دل على وجوب العمل بالقياس دليل قاطع، فكان وجوب العمل بالقياس معلوما، فلم يكن العمل بالقياس مظنونا بل كان معلوما.
أجاب المستدل عن هذا السؤال، فقال: لو كان الحكم المستفاد من القياس يعلم كونه حكما لله تعالى لكان ترك العمل به كفرا لقوله تعالى: * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) * (المائدة: 44) ولما لم يكن كذلك، بطل العمل به وقد يعدون عن هذه الحجة بأنهم قالوا: الحكم المستفاد من القياس إما أن يعلم كونه حكما لله تعالى أو يظن أو لا يعلم ولا يظن والأول باطل وإلا لكان من لم يحكم به كافرا لقوله تعالى: * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) * (المائدة: 44) وبالاتفاق ليس كذلك. والثاني: باطل، لأن العمل بالظن لا يجوز لقوله تعالى: * (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) * والثالث: باطل، لأنه إذا لم يكن ذلك الحكم معلوما ولا مظنونا، كان مجرد التشهي، فكان باطلا لقوله تعالى: * (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات) * (مريم: 59).
وأجاب مثبتو القياس: بأن حاصل هذا الدليل يرجع إلى التمسك بالعمومات، والتمسك بالعمومات