البحث الأول: أن هذه الكلمة جاءت على لفظ المضي بعد قوله: * (ثم نقول) * وهو منتظر، والسبب فيه أن الذي حكم الله فيه، بأن سيكون صار كالكائن الراهن الآن، ونظيره قوله تعالى: * (ونادى أصحاب الجنة) * (الأعراف: 44).
البحث الثاني: زيلنا فرقنا وميزنا. قال الفراء: قوله: * (فزيلنا) * ليس من أزلت، إنما هو من زلت إذا فرقت. تقول العرب: زلت الضأن من المعز فلم تزل. أي ميزتها فلم تتميز، ثم قال الواحدي: فالزيل والتزييل والمزايلة، والتمييز والتفريق. قال الواحدي: وقرئ * (فزايلنا بينهم) * وهو مثل * (فزيلنا) * وحكى الواحدي عن ابن قتيبة أنه قال في هذه الآية: هو من زال يزول وأزلته أنا، ثم حكى عن الأزهري أنه قال: هذا غلط، لأنه لم يميز بين زال يزول، وبين زال يزيل، وبينهما بون بعيد، والقول ما قاله الفراء، ثم قال المفسرون: * (فزيلنا) * أي فرقنا بين المشركين وبين شركائهم من الآلهة والأصنام، وانقطع ما كان بينهم من التواصل في الدنيا.
وأما قوله: * (وقال شركاؤهم ما كنتم أيانا تعبدون) * ففيه مباحث:
البحث الأول: إنما أضاف الشركاء إليهم لوجوه: الأول: أنهم جعلوا نصيبا من أموالهم لتلك الأصنام، فصيروها شركاء لأنفسهم في تلك الأموال، فلهذا قال تعالى: * (وقال شركاؤهم) * الثاني: أنه يكفي في الإضافة أدنى تعلق، فلما كان الكفار هم الذين أثبتوا هذه الشركة، لا جرم حسنت إضافة الشركاء إليهم. الثالث: أنه تعالى لما خاطب العابدين والمعبودين بقوله: * (مكانكم) * صاروا شركاء في هذا الخطاب.
البحث الثاني: اختلفوا في المراد بهؤلاء الشركاء. فقال بعضهم: هم الملائكة، واستشهدوا بقوله تعالى: * (يوم نحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون) * (سبأ: 40) ومنهم من قال: بل هي الأصنام، والدليل عليه: أن هذا الخطاب مشتمل على التهديد والوعيد، وذلك لا يليق بالملائكة المقربين، ثم اختلفوا في أن هذه الأصنام كيف ذكرت هذا الكلام. فقال بعضهم: إن الله تعالى يخلق الحياة والعقل والنطق فيها، فلا جرم قدرت على ذكر هذا الكلام. وقال آخرون إنه تعالى يخلق فيها الكلام من غير أن يخلق فيها الحياة حتى يسمع منها ذلك الكلام، وهو ضعيف، لأن ظاهر قوله: * (وقال شركاؤهم) * يقتضي أن يكون فاعل ذلك القول هم الشركاء.
فإن قيل: إذا أحياهم الله تعالى فهل يبقيهم أو يفنيهم؟
قلنا: الكل محتمل ولا اعتراض على الله في شيء من أفعاله، وأحوال القيامة غير معلومة، إلا القليل الذي أخبر الله تعالى عنه في القرآن.