إلا الثقلين. أيها الناس؛ هلموا إلى ربكم والله يدعوا إلى دار السلام ".
المسألة الثانية: لا شبهة أن المراد من دار السلام الجنة، إلا أنهم اختلفوا في السبب الذي لأجله حصل هذا الاسم على وجوه: الأول: أن السلام هو الله تعالى، والجنة داره. ويجب علينا ههنا بيان فائدة تسمية الله تعالى بالسلام، وفيه وجوه: أحدها: أنه لما كان واجب الوجود لذاته فقد سلم من الفناء والتغير، وسلم من احتياجه في ذاته وصفاته إلى الافتقار إلى الغير، وهذه الصفة ليست إلا له سبحانه كما قال: * (والله الغني وأنتم الفقراء) * (محمد: 38) وقال: * (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله) * (فاطر: 15) وثانيها: أنه تعالى يوصف بالسلام بمعنى أن الخلق سلموا من ظلمه، قال: * (وما ربك بظلام للعبيد) * (فصلت: 46) ولأن كل ما سواه فهو ملكه وملكه، وتصرف الفاعل في ملك نفسه لا يكون ظلما. ولأن الظلم إنما يصدر إما عن العاجز أو الجاهل أو المحتاج، ولما كان الكل محالا على الله تعالى، كان الظلم محالا في حقه. وثالثها: قال المبرد: إنه تعالى يوصف بالسلام بمعنى أنه ذو السلام، أي الذي لا يقدر على السلام إلا هو، والسلام عبارة عن تخليص العاجزين عن المكاره والآفات. فالحق تعالى هو الساتر لعيوب المعيوبين، وهو المجيب لدعوة المضطرين، وهو المنتصف للمظلومين من الظالمين. قال المبرد: وعلى هذا التقدير: السلام مصدر سلم.
القول الثاني: السلام جمع سلامة، ومعنى دار السلام: الدار التي من دخلها سلم من الآفات. فالسلام ههنا بمعنى السلامة، كالرضاع بمعنى الرضاعة. فإن الإنسان هناك سلم من كل الآفات، كالموت والمرض والألم والمصائب ونزعات الشيطان والكفر والبدعة والكد والتعب.
والقول الثالث: أنه سميت الجنة بدار السلام لأنه تعالى يسلم على أهلها قال تعالى: * (سلام قولا من رب رحيم) * (يس: 58) والملائكة يسلمون عليهم أيضا، قال تعالى: * (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام عليكم بما صبرتم) * (الرعد: 23، 24) وهم أيضا يحيي بعضهم بعضا بالسلام قال تعالى: * (تحيتهم فيها سلام) * (يونس: 10) وأيضا فسلامهم يصل إلى السعداء من أهل الدنيا، قال تعالى: * (وأما إن كان من أصحاب اليمين * فسلام لك من أصحاب اليمين) * (الواقعة: 90، 91). المسألة الثالثة: اعلم أن كمال جود الله تعالى وكمال قدرته وكمال رحمته بعباده معلوم، فدعوته عبيده إلى دار السلام، تدل على أن دار السلام قد حصل فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، لأن العظيم إذا استعظم شيئا ورغب فيه وبالغ في ذلك الترغيب، دل ذلك على كمال حال ذلك الشيء، لا سيما وقد ملأ الله هذا الكتاب المقدس من وصف الجنة مثل قوله: * (فروح وريحان وجنة نعيم) * (الواقعة: 89) ونحن نذكر ههنا كلاما كليا في تقرير هذا المطلوب، فنقول: الإنسان إنما يسعى