الداري، وكعب الأحبار لأنهم هم الذين يوثق بخبرهم، ومنهم من قال: الكل سواء كانوا من المسلمين أو من الكفار، لأنهم إذا بلغوا عدد التواتر ثم قرؤا آية من التوراة والإنجيل، وتلك الآية دالة على البشارة بمقدم محمد صلى الله عليه وسلم فقد حصل الغرض.
فإن قيل: إذا كان مذهبكم أن هذه الكتب قد دخلها التحريف والتغيير، فكيف يمكن التعويل عليها.
قلنا: إنهم إنما حرفوها بسبب إخفاء الآيات الدالة على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام فإن بقيت فيها آيات دالة على نبوته كان ذلك من أقوى الدلائل على صحة نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، لأنها لما بقيت مع توفر دواعيهم على إزالتها دل ذلك على أنها كانت في غاية الظهور، وأما أن المقصود من ذلك السؤال معرفة أي الأشياء، ففيه قولان: الأول: أنه القرآن ومعرفة نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم. والثاني: أنه رجع ذلك إلى قوله تعالى: * (فما اختلفوا حتى جاءهم العلم) * (يونس: 93) والأول أولى، لأنه هو الأهم والحاجة إلى معرفته أتم. واعلم أنه تعالى لما بين هذا الطريق قال بعده: * (لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله) * أي فأثبت ودم على ما أنت عليه من انتفاء المرية عنك، وانتفاء التكذيب بآيات الله، ويجوز أن يكون ذلك على طريق التهييج وإظهار التشدد ولذلك قال عليه الصلاة والسلام عند نزوله " لا أشك ولا أسأل بل أشهد أنه الحق ".
ثم قال: * (ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكونن من الخاسرين) *.
واعلم أن فرق المكلفين ثلاثة، إما أن يكون من المصدقين بالرسول، أو من المتوقفين في صدقه، أو من المكذبين، ولا شك أن أمر المتوقف أسهل من أمر المكذب، لا جرم قد ذكر المتوقف بقوله: * (ولا تكونن من الممترين) * ثم أتبعه بذكر المكذب، وبين أنه من الخاسرين، ثم إنه تعالى لما فصل هذا التفصيل، بين أن له عبادا قضى عليهم بالشقاء فلا يتغيرون وعبادا قضى لهم بالكرامة، فلا يتغيرون، فقال: * (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ نافع وابن عامر: كلمات على الجمع، وقرأ الباقون: كلمة على لفظ الواحد، وأقول إنها كلمات بحسب الكثرة النوعية أو الصنفية وكلمة واحدة بحسب الواحدة الجنسية.
المسألة الثانية: المراد من هذه الكلمة حكم الله بذلك وإخباره عنه، وخلقه في العبد مجموع القدرة والداعية، الذي هو موجب لحصول ذلك الأثر، أما الحكم والأخبار والعلم فظاهر، وأما مجموع