جآءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين * ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين * إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جآءتهم كل ءاية حتى يروا العذاب الاليم) *.
اعلم أنه تعالى لما ذكر من قبل اختلافهم عند ما جاءهم العلم أورد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية ما يقوي قلبه في صحة القرآن والنبوة، فقال تعالى:
* (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك) * وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال الواحدي الشك في وضع اللغة، ضم بعض الشيء إلى بعض، يقال: شك الجواهر في العقد إذا ضم بعضها إلى بعض. ويقال شككت الصيد إذا رميته فضممت يده أو رجله إلى رجله والشكائك من الهوادج ما شك بعضها ببعض والشكاك البيوت المصطفة والشكائك الأدعياء، لأنهم يشكون أنفسهم إلى قوم ليسوا منهم، أي يضمون، وشك الرجل في السلاح، إذا دخل فيه وضمه إلى نفسه وألزمه إياها، فإذا قالوا: شك فلان في الأمور أرادوا أنه وقف نفسه بين شيئين، فيجوز هذا، ويجوز هذا فهو يضم إلى ما يتوهمه شيئا آخر خلافه.
المسألة الثانية: اختلف المفسرون: في أن المخاطب بهذا الخطاب من هو؟ فقيل النبي عليه الصلاة والسلام. وقيل غيره، أما من قال بالأول: فاختلفوا على وجوه.
الوجه الأول: أن الخطاب مع النبي عليه الصلاة والسلام في الظاهر، والمراد غيره كقوله تعالى: * (يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين) * (الأحزاب: 1) وكقوله: * (لئن أشركت ليحبطن عملك) * (الزمر: 65) وكقوله: * (يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس) * (المائدة: 116) ومن الأمثلة المشهورة: إياك أعني واسمعي يا جاره.
والذي يدل على صحة ما ذكرناه وجوه: الأول: قوله تعالى في آخر السورة * (يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني) * (يونس: 104) فبين أن المذكور في أول الآية على سبيل الرمز، هم المذكورون في هذه الآية على سبيل التصريح. الثاني: أن الرسول لو كان شاكا في نبوة نفسه لكان شك غيره في نبوته أولى وهذا يوجب سقوط الشريعة بالكلية. والثالث: أن بتقدير أن يكون شاكا في نبوة نفسه، فكيف يزول ذلك الشك بأخبار أهل الكتاب عن نبوته مع أنهم في الأكثر كفار، وإن حصل فيهم من كان مؤمنا إلا أن قوله ليس بحجة لا سيما وقد تقرر أن ما في أيديهم من التوراة والإنجيل، فالكل مصحف محرف، فثبت أن الحق هو أن الخطاب، وإن كان في الظاهر مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن المراد هو الأمة، ومثل هذا معتاد، فإن السلطان الكبير إذا كان له أمير،