يذكر على سبيل الاستهزاء كما يقال: نعتقك ولكن بعد الموت، ونخلصك من السجن ولكن بعد أن تموت. الرابع: قرأ بعضهم * (ننجيك) * بالحاء المهملة، أي نلقيك بناحية مما يلي البحر، وذلك أنه طرح بعد الغرق بجانب من جوانب البحر. قال كعب: رماه الماء إلى الساحل كأنه ثور.
وأما قوله: * (ببدنك) * ففيه وجوه: الأول: ما ذكرنا أنه في موضع الحال، أي في الحال التي كنت بدنا محضا من غير روح. الثاني: المراد ننجيك ببدنك كاملا سويا لم تتغير. الثالث: * (ننجيك ببدنك) * أي نخرجك من البحر عريانا من غير لباس. الرابع: * (ننجيك ببدنك) * أي بدرعك، قال الليث: البدن هو الدرع الذي يكون قصير الكمين، فقوله: * (ببدنك) * أي بدرعك، وهذا منقول عن ابن عباس قال: كان عليه درع من ذهب يعرف بها، فأخرجه الله من الماء مع ذلك الدرع ليعرف. أقول: إن صح هذا فقد كان ذلك معجزة لموسى عليه السلام.
وأما قوله: * (لتكون لمن خلفك آية) * ففيه وجوه: الأول: أن قوما ممن اعتقدوا فيه الإلهية لما لم يشاهدوا غرقه كذبوا بذلك وزعموا أن مثله لا يموت، فأظهر الله تعالى أمره بأن أخرجه من الماء بصورته حتى شاهدوه وزالت الشبهة عن قلوبهم. وقيل كان مطرحه على ممر بني إسرائيل. الثاني: لا يبعد أنه تعالى أراد أن يشاهده الخلق على ذلك الذل والمهانة بعد ما سمعوا منه قوله * (أنا ربكم الأعلى) * (النازعات: 24) ليكون ذلك زجرا للخلق عن مثل طريقته، ويعرفوا أنه كان بالأمس في نهاية الجلالة والعظمة ثم آل أمره إلى ما يرون. الثالث: قرأ بعضهم * (لمن خلقك) * بالقاف أي لتكون لخالقك آية كسائر آياته. الرابع: أنه تعالى لما أغرقه مع جميع قومه ثم إنه تعالى ما أخرج أحدا منهم من قعر البحر، بل خصه بالإخراج كان تخصيصه بهذه الحالة العجيبة دالا على كمال قدرة الله تعالى وعلى صدق موسى عليه السلام في دعوى النبوة.
وأما قوله: * (وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون) * فالأظهر أنه تعالى لما ذكر قصة موسى وفرعون وذكر حال عاقبة فرعون وختم ذلك بهذا الكلام وخاطب به محمدا عليه الصلاة والسلام فيكون ذلك زاجرا لأمته عن الإعراض عن الدلائل، وباعثا لهم على التأمل فيها والاعتبار بها، فإن المقصود من ذكر هذه القصص حصول الاعتبار، كما قال تعالى: * (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) * (يوسف: 111).